للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ماله، وظهرت مروءته). وكان هو لا يألو في شكر أياديهم بقصائد يكافئ فيها نعمهم، فلبث في بخارى حقبة مغتبطاً راضياً

ومن قصيدة له في مدح ابن عزيز أحد وزراء بخارى:

أعبدَ الله لا خُيرتُ بيتاً ... مدى الأيام ألا في علاكا

فكم لك من يد قلدتنيها ... فلست أرى لها عني فكاكا

ولو حَمّلتَ ما حَملتَنيه ... شَمامِ لما استطاع به حراكا

وقد ألبستني أثواب عزَّ ... وقد أَوطأتَ أخمصىَ السَّماكا

فحسبك من عُليً أعليت كعبي ... برفعكه، فقد بلغ السَكاكا

قال أبو منصور الثعالبي: (رأيت المأموني ببخارى سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، وعاشرت منه فاضلاً ملء ثوبه، وذاكرت أديباً شاعراً بحقه وصدقه، وسمعت منه قطعة من شعره، ونقلت أكثره من خطه: وكان يسمو بهمته إلى الخلافة، ويمني نفسه قصد بغداد في جيوش تنظم إليه من خراسان لفتحها، فاقتطعته المنية دون الأمنية. ولما فارقته لم تطل به الأيام بعدي حتى اعتل علة الاستسقاء، وانتقل إلى جوار ربه، ولم يكن بلغ الأربعين. وذلك في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة).

ويصدق الثعالبي فيما حدث عن همة هذا الفتى وبُعد أمله وطمعه في الخلافة، شعر له ينطق عن هذه الهمة وهذا الأمل، ويعرب عن ثقة الرجل بنفسه واعتداده بها. يقول في قصيدة أنشأها في بخارى:

أنا بين أحشاء الليالي نار ... هي لي دخان والنجوم شرار

فمتى جلا فجر القضاء ظلامها ... صليِتْ بي الأقطار والأمصار

بي تحلم الدنيا وبالخبر الذي ... لي منه بين ضلوعها أسرار

فبكل مملكة عليَّ تلهُّف ... وبكل معركة إلي أوار

يا أهلُ ما شَّطت برحلي رحلة ... ألا لتسفر عني الأسفار

لي في ضمير الدهر سر كامن ... لا بد أن تستله الأقدار

- ٣ -

وأما شعر المأموني فوسط لا يسمو إلى الذروة ألا قليلاً. وقد اثبت صاحب اليتيمة له قصائد

<<  <  ج:
ص:  >  >>