العصور الخوالي أن يبتكروا أدوات التعبير عن شؤون لم يشهدوها ولم يعرفوها، وإنما يجب علينا أن نعبر عما شهدنا وعرفنا، كما عبروا عما شهدوا وعرفوا، لنستطيع القول بأننا أهل للإنشاء والإبداع، وكان أسلافنا من أكابر المنشئين والمبدعين
كان يجب على لغة العرب - كما يتوهم أهل الغفلة - أن تحيط بكل شيء، وإلا فهي جديرة بما يصبون عليها من عذابا العقوق!
فهل كان الأمر كذلك في لغات الإنجليز والفرنسيين والألمان، حتى نطالب لغة العرب بخلق المستحيل؟
لغات العالم والمدنية في هذا العصر كانت فقيرة ثم أغناها أهلوها بالنحت والاشتقاق والاقتباس، فمتى نصنع كما صنع الأحياء من أبناء هذا الزمان؟
أكبر هموم علمائنا اللغويين أن يعترضوا على نيابة حرف عن حرف، وأن يقول قائلهم: إن للعرب كيت ولا تعرف زيت، وأن يثوروا على أي تعبير لا يجدون له شواهد في لأقوال القدماء، كأن من الحرام أن يكون لنا في اللغة حق الاجتهاد، وهو حق لم يحرم على أبناء البوادي، ولو كانوا من أكلة الضباب واليرابيع!
اليهود لهم لغة يدرسون بها جميع العلوم؟؟؟
هو ذلك، لأن اليهود يريدون أن يقيموا الدليل على أنهم أحياء
ولو جاز أن يفتن قوم بأوربا ولغاتها، لكان اليهود أولى بذلك الفتون، لأن لهم طلائع في جميع البلاد الأوربية، فممن أخذنا نحن فتنة الخضوع الأحمق للغات الأجنبية، ولنا وجود أدبي واجتماعي لم تفلح في زعزعته الكوارث والخطوب؟
نستطيع بدون صعوبة ولا عناء أن نجعل لغة العرب لسان العلم والمدنية في الشرق، فنزاحم بها ألسنة الأجانب، ونستبقي أعمار أبنائنا فلا نضيع في (رطانات) لا ينتفع بها منهم غير آحاد
وأنا لم أبتكر القول بجناية اللغات الأجنبية في تعويق مواهب الشبان المصريين، فقد أعلن الأستاذ محمد بك حسين هذا الرأي في خطبة ألقاها بالمنصورة في السنة الماضية، وكانت حجته أن الشبان يقضون أطيب أعمارهم في دراسة اللغات، وهي دراسة لم تنتقل من الحفظ إلى الفهم، حتى تعود أذهانهم بالصقل والتهذيب