ولكن ما الذي نصنع ونحن في احتياج إلى معرفة اللغات الأجنبية، لنتصل بالتيارات العلمية في العصر الحديث
نكون طائفة خاصة تكون مهمتها الاشتغال بالترجمة لنغني اللغة العربية بإمداد جديدة في ميادين العلم والطب والاقتصاد والتشريع، وعندئذ تنفعل اللغة العربية بتلك الإمداد، وتصبح مورداً غنياً بآثار الأفكار والعقول، فيمكن الاجتهاد في ميادين كثيرة عن طريق اللغة العربية، كما اتفق المرحوم الشيخ أحمد الإسكندري أن ينتفع بالمترجمات، فصار يفكر على الأساليب الحديثة في التفكير بدون أن يتصل بإحدى اللغات الأجنبية، وبدون أن يتتلمذ لأحد من الأجانب، وله أبحاث تؤيد ما نقول منها بحثه المشهور في اصطلاحات الكيمياء.
فرنسي يستمصر فيستغرب
في هذه الفقرة أسوق حديثاً يشهد بما تصنع العزائم الصوادق في تذليل الصعاب:
كانت البعثة المدنية الفرنسية رأت أن تقصر مهمة مدارسها في مصر على إعداد تلاميذها للبكالوريا الفرنسية، إلا مدرسة واحدة هي الكلية الفرنسية بالظاهر، فقد رأت البعثة أن يعد تلاميذها للبكالوريا المصرية من القسم الفرنسي
ومدير هذه المدرسة هو المسيو مارسيل بونان، وقد أقام في مصر أكثر من عشرين سنة فلم يعرف من اللغة العربية غير ألفاظ معدودات، مثل مدرسة وقهوة وفراش!! وكان المنطق يوجب أن يجعل أبنه من تلاميذ الليسيه ليفوز بالبكالوريا الفرنسية بدون عناء، ولكن الرجل أصر على أن يجعل ابنه تلميذاً في مدرسته ليفوز بالبكالوريا المصرية مع صعوبة اللغة العربية على شاب لغته الفرنسية ودروسه بالفرنسية وحديثه في البيت بالفرنسية
وظل الشاب يتعثر من عام إلى عام في امتحان البكالوريا المصرية، وكان مفروضاً على من كان في مثل حاله بحكم النظام الجديد أن يؤدي امتحان اللغة العربية في مقررات أربع سنين، وذلك عبء ثقيل!
ونصحت للمسيو بونان مرات كثيرة أن يعدل منهج أبنه في الدراسة فلم يقبل، وكان جوابه أنه يريد أن يمحو الخرافة التي تقول بأن التفوق في اللغة العربية مستحيل على الأجانب!
وأخيراً، وبعد جهاد عنيف، نجح الشاب جاك بونان في امتحان الثقافة العامة بتفوق، فهو أول فرنسي يزاحم الطلبة المصريين في الامتحانات العمومية