للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبعد حديث قصير أمرني بقراءة مقال لي قد نشرته جريدة العراق في ذلك اليوم فقرأته. وفي هذه الأثناء انتثرت الجرائد التي أحضرتها بسبب الهواء المتسرب في النافذة المفتوحة وسقطت على الارض، وكنت قد وضعتها على مقعد بالقرب من جلالته، فرأى الجريدة الهزلية وسألني عن مصدرها وخطتها، وأخذت في قراءة أحد فصولها، فأتممت قراءته وشرعت في قراءة فصل آخر، وتراءى لنا صاحب السمو الأمير عبد الإله فأومأ أليَّ جلالته بطرفه فأخفيت الجريدة وغيرنا مجرى الحديث. وعرف الأمير الفتى أنه قد فَجَأنا في خلوتنا فسلم وودع ولم يزد على قوله لكاتب هذه المقال: جئت للسلام عليك وقد قرأت مقالتك اليوم في جريدة العراق فاسمح لي بالانصراف لأني ذاهب إلى المدرسة.

وبقيت مع جلالة والده فقال لي بعد انصراف ولده وهو يشيع سيارته بنظراته من نافذة القصر:

- لقد فطنت لما أشرت به إليك، لأني لا اقرأ ولا أريد أن يقرأ عبد الإله الجرائد والمجلات التي تنهش الأعراض؛ وهذه هي المرة الأولى التي منيت فيها برؤية جريدة من هذا النوع

فقلت لجلالته: إن هذه الجريدة قد دست في جرائدي ولم أرها إلا بعد شروعي في القراءة، ولو عثرت عليها قبل دخولي من باب القصر لحرقتها وذريت رمادها في الهواء، لان هذا النوع من الجرائد لا فرق بينه وبين جراثيم الأمراض الوبائية.

ومضى جلالته في حديثه فقال:

- يقول لك عبد الإله إنه قد قرأ مقالتك في جريدة العراق وقد رمى بقوله عصفورين بحجر، فقد أذنت له في قراءة الجرائد التي تنشر مقالاتك لا غيرها، لأنك لا تتعثر في الأغلاط اللغوية ولا تدنس قلمك بالهجر من الألفاظ التي تجرح العواطف ولا تغلظ لمناظرك في القول، وهذا ما حدا بي إلى النصح لعبد الإله بقراءة ما تكتبه في الصحف وما تختاره له من الكتب.

فقلت لجلالته: أن المتنبي حكيم العرب وشاعر الأجيال يقول يا صاحب الجلالة:

وكل يرى طرق الشجاعة والندى ... ولكن طبع النفس للنفس قائد

ويقول أرسطا طاليس إن الفضائل ليست طبيعية فينا، وإلا عجزنا عن تغيير طبائعنا؛ فالعادة لا تستطيع أن تغير ما هو فطري، مثلُ ذلك مَثلُ الحجر الذي يهوى بطبيعته إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>