للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اسفل فإنه لا يمكن أن يتعود الصعود ولو حاول به المرء ذلك ألف مرة؛ وكذلك النار فطرتها الصعود بلهبها ولا يمكن أن تتجه إلى أسفل؛ وليس في الوجود جسم واحد يمكن أن يفقد خاصته التي تلقاها من الفطرة ليستبدل بها عادة غيرها.

والأمير عبد الإله كريم الطرفين هاشمي الأبوين لم أره مرة مازحاً ولا عابثاً. ولقد تقدم إليَّ يوماً في طلب كتاب قراءة ليتفكه به في أوقات فراغه فبحثت في خاطري وتخيرت لسموه كتاب كليلة ودمنة وأحضرت له نسخة من الطبعة التي صححها الشيخ خليل اليازجي لخلوها من الأغلاط اللغوية. وبعد قراءة بعض فصولها قال لي: إنه يميل إلى مطالعة الكتب الأدبية واللغوية والتاريخية فأحضرت لسموه شرح ديوان أبي الطيب وفقه اللغة وسر العربية للثعالبي وحاولت أن أُردمهما بكتاب أدب الكاتب لمؤلفه أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة.

بيد أني أردت تمحيص أدب الكاتب لأعرف هل هو من سقط المتاع، أو من البضاعة التي تساوي ما سيبذله الأمير من وقته الثمين فرأيت صاحب أدب الكاتب يقول: (ومن ذلك القافلة يذهب الناس إلى أنها الرفقة في السفر ذاهبة كانت أو راجعة، وليس كذلك إنما القافلة الراجعة يقال قفلت فهي قافلة، وقفل الجند من مبعثهم أي رجعوا، ولا يقال لمن خرج إلى مكة من العراق قافلة حتى يصدروا)

والقاموس يقول: (والقافلة الرفقة القفال والمبتدئة في السفر تفاؤلاً بالرجوع)

ويقول في (باب ما لا ينصرف) وما كان منها على ثلاثة أحرف (يريد ما كان من الأسماء) وأوسطه ساكن فإن شئت صرفته وأن شئت لا تصرفه. قال الله عز وجل: (أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين) وقال تعالى: (اهبطوا مصراً) انتهى قول ابن قتيبة. وهذان المثلان يثبتان أن ابن قتيبة يجهل أسرار اللغة العربية، فالقاموس يقول المصر الكورة، والكورة هي المدينة، فقوله في الآية لبني إسرائيل الخارجين من مصر في طريقهم إلى بيت المقدس (أدخلوا مصراً) معناه أدخلوا إحدى المدن؛ وقوله تعالى في الآية (٩٩) من سورة يوسف عليه السلام (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) يريد به مدينة مصر عاصمة وادي النيل واسمها هنا ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة؛ أما في الآية الأولى فإن العلتين قد زالتا فلا علمية ولا عجمة والاسم في قوله تعالى:

<<  <  ج:
ص:  >  >>