فيتأثر ويهيج، و (فرلين) الرخامي القلب الذي كان يصف الأشياء وصفا متجردا عن الأهواء يصبح شاعراً محللا نفسياً، نزل إلى أعماق النفوس، وصف الكآبة العميقة المتمددة في حناياها، ووصف التأملات المشوشة يوم تعبس، وأحلامها المتبدلة حين تطرب. كل ذلك وصفه بعبارات تتمشى مع حركات النفس، وتنسجم مع ألحانها متوافقة متلائمة، ووراء هذه العبارات إحساس حي دقيق، ولكنه إحساس لا يظهر فيه الشقاء واضحاً منتصراً غالباً على كل شيء، ولكنه ذلك الإحساس المفعم بالظلمة والمغشي بالإبهام، كأنما يسري الساري فيه في جو مبطن بالضباب، والشاعر بين حقيقة حياته المظلمة الممقوتة وبين تلك التعازي التي كان يرسلها فنه وإحساسه أحلاماً جميلة ملونة، كان يمشي بفنه، ويحلق في افقه، مبدعا ذلك الشعر الذي دعاه معاصروه بحق (بالشعر الرمزي) وأضافوا لحنه الجديد إلى ألحانهم الشعرية.
(وفرلين) بعد هذا كله أبدع شعراً جديداً البسه مطارف فن جديد، وخلق للشعر لغة جديدة اجمع النقاد على أنها أسمى لغة شعرية، ولم يكن (فرلين) بنفسه إلا أنشودة جديدة مرت على أوتار قيثارة الشعر.