يسوءني أن تنشط الشياطين السود في أشباه الرجال لتسرد على مسمعي قائمة طويلة من الإفك، ما دمت مطمئناً إلى قدرة القراء على التفريق بين الصدق والكذب في أي اتهام يوجه إلى؛ ولكني إزاء اتهام كهذا لا أملك له دفعاً، وفي مجتمع تقوم الصلات بين جمرة بنية على النفاق، ويجد مثل هئذا الاتهام سبيله إلى بعض الأذهان، لايسعني إلا أن أجعل من هذا المقال خاتمة للبحث. ويعزز هذا العزم مني سبب آخر بل أسباب أخر. . . ليس من اللياقة أن أميط اللثام عنها اليوم؛ فإلى غد. . . إلى الغد المجهول الذي لا أدري متى يعلم!! وفيه - إن علم - أقوم ببعض ما يجب علي لهذا العظيم الراحل.
تاريخ ولكن
ولأعد الآن إلى (تطبيق) متواضع محدود لناحية واحدة يصح الوقوف عندها.
أدرك الرجل أنه مقدم على (تاريخ)، وهو لم يكن يوماً (مؤرخاً) ولكن الدراسات التي قام بها أهلته لهذا الإقدام، بل أنارت له السبيل إلى تصويب أخطاء المؤرخين العالميين، وإلى تفنيد الأباطيل التي أذاعها المغرضون منهم؛ فماذا يصنع؟.
رأي - كما يرى كل عالم زاد علمه فزاد تواضعه - أن يسمى جهوده (على هامش التاريخ المصري القديم)، فلما تمت له التسمية واطمأن إليها وأنس بها، وصارح الأخصاء من الأصدقاء بهذا الشعور، ونشر فصولاً ضمن هذا (النطاق الحر)، كف فجأة عن مواصلة النسر، وعاد يواصل الدراسة في صمت، لأن (فكرة جديدة) نبتت في ذهنه وحددت له (اتجاهاً جديداً) في بحثه. فما هو هذا الاتجاه؟.
هو أن يجمع بين (الحقيقة) كمؤرخ و (القومية في البحث) كمصري، ما دام المجال قد انفسح أمامه، ولم يعد مقيداً بالتاريخ في صميمه، بعد إذ أذاع أن كل جهوده ستكون وقفات (على هامش هذا التاريخ)، فضلاً عن أن هذا اللون من البحث يحمل طابع الأخذ والرد، وبحكم المنطق في رقاب الوقائع، ويخرج من المقدمات بنتائج، فيجيء البحث أدنى إلى العراك العميق الهادئ. . . عليه من طلاوة المنطق طابع، وله من ذات الحقيقة جمال. . . فيدرسه رجال (الحقيقة) على أنه (تاريخ)، ويدرسه أبناء الجيل بنفس الروح الذي يطالعون به جدلاً بديعاً أو قصة رائعة. . . فتنساب إلى أذهانهم حقائق مجلوة من تاريخ بلادهم، ويتغلغل إلى أعماقهم حب لهذا التاريخ يغدو على الأيام إعزازاً لهذا البلد، فتزكوا الوطنية