فيهم، وينمو الشعور بحق بلادهم عليهم، فيصبح هذا النتاج (إنسانياً) من حيث (الحقيقة) و (وطنياً) من حيث (قومية البحث) وراء هذه (الحقيقة).
كانت هذه هي (الفكرة) التي حددت له (الاتجاه)، فاطمأن إلى أن للبحث هدفاً يهون دونه كل شقاء، وكانت هذه هي (الفكرة) التي استطعت أن أخرج بها من أحاديثي الكثيرة معه، وإن كنت - لوجه الحق - أقرر أنه لم يحددها بهذا الوضوح، لأنه كان يأنف أن يشعرك بأنه يقصد إلى مدح نفسه أو الثناء على جهده.
الجوهر
اختمرت (الفكرة) إذن وتحد (الهدف)، فكيف يدرك المؤلف هدفه، أو ماهي الوسائل التي تمكن له من إدراكه؟.
لم يصارحني بها، ولكني كتابه في جزأيه - ما طبع منها وما هو تحت الطبع - ناطق بهذه الوسائل التي أستطيع أن ألخصها لك فيما يأتي:
أولاً: حدد مدار البحث كما قلت لك بالتدليل على أن المدينة المصرية قامت على أساس علمي وخلقي صحيح، وحدد الحقيقة التي يحب أن يثبتها التدليل على أن المدينة الحديثة وما سبقها من مختلف المدنيات، وفي طليعتها المدنية اليونانية، إنما هي (سير مطرد) لمدينة مصر وأقباس مستمدة من نهضة المصريين؛ ثم حدد النتيجة التي يحب أن يبلغها التدليل على أن هذا العالم القائم الذي يتطاحن بسلاح التضليل، ونتيه فيه العنصرية الآرية من ناحية، والديمقراطية السياسية من ناحية أخرى، إنما يغفل عمداً الحقيقة الكبرى، وهي أن لا آرية هنا ولا ديمقراطية، وإنما هناك (مصرية) أمدتهم جميعاً بالفضل الذي يتنازعونه، وإذا صح أن للأصيل فضل المباهاة، فمن حقنا وحدنا أن نباهي بمصريتنا.
ثالثاً: آثر عبد القادر حمزة أن يختار من بين موضوعات هذا التاريخ القديم موضوعات بالذات، يركز فيها الجهود ويستخلص منها النتائج كما سيجيء في التطبيق.
رابعاً: رأى أن يكون نهجه علمياً إزاء المؤرخين، ومنطقياً إزاء القراء، ففي النهج يذكر الرواية التي ساقها المؤرخون الأجانب بأسانيدها، ثم يذكر المراجع ويحدد الكتاب ويعين الصفحات، ثم يعود إلى التفنيد ويضيف إلى الأسانيد كل سند جديد وفقت إليه الكشوف، ثم يخرج بالنتيجة وضاحة الجبين لا سبيل معها إلى دعاة الشك بعد أن انبلج منها صبح