عنه هذا القول كان يمزح. (وقال المؤلف إن المصرين (الذين كانت سيين وابلفنتين من مدنهم كانوا يوقنون من غير شك أن النيل لا يجري شطر منه إلى مصر وشطر منه إلى النوبة، بل يأتي من النوبة جارياً إلى مصر. وقد أرسل المصريون قوافلهم التجارية وحملاتهم العسكرية وسفنهم التجارية والحربية إلى النوبة وإلى ما وراء النوبة منذ الدولة القديمة. . . فهم إذن ركبوا النيل إلى ما وراء الشلال الرابع. . . فالادعاء عليهم بأنهم كانوا يعتقدون أنه يولد عند أسوان هو ادعاء زور، والاعتماد فيه على حديث قال هيرودوت إنه سمعه من موظف مصري هو اعتماد على سند ساقط)).
ثم لم يشأ المؤلف أن يقول له قائل:(ولماذا تتجاهل أن بعض المؤرخين تأولوا هذه الرواية، فقالوا إنها كانت اعتقاداً للمصريين قبل أن يفتحوا النوبة، ويركبوا النيل إلى ما وراء الشلال الرابع). بل أثبت عبد القادر هذا التأويل، ورد عليه بأن هيرودوت لم يقدم إلى مصر إلا في مختم الحضارة المصرية. أي بعد أن كان المصريون قد فتحوا النوبة في عصر الدولة القدية فالموظف الذي نقل عنه لا يمكن أن يكون إلا جاهلاً أو مخرفاً، وهيرودوت لا يدل بنقله هذا التخريف إلا على أنه كان يلتقط ما يقال له بغير احتياط ولا تمحيص.
ثم نقل المؤلف عن هيرودوت قوله إنه وصل في تجواله إلى بلفنتين وقوله:(فما أكتبه وصفاً لمصر إلى هذه المدينة رأيته بعيني) ثم قطع عبد القادر بأن هيرودوت كاذب) لأنه لو كان قد وصل إليها وشاهد مجرى النيل عندها لعلم أنه ليس له مجريان متعارضان أحدهما يتجه إلى صمر والثاني إلى النوبة).
ولم يشأ المؤلف أن يدع هيرودوت (الكذب) في هذه الرواية كذاباً على طول الخط وبسوء نية، بل راح يلتمس له المعاذير ويقلب الأمر على مختلف وجوهه، حتى اهتدى - أي المؤلف - إلى الأناشيد التي وجدت منقوشة على الأهرام موجهة إلى النيل وفيها:
(لقد انتفحت الصخرتان وظهر المعبود. إن المعبود يضع يده على جسمه (يريد أنه يضع يده على أرض مصر)). ورجح عبد القادر أن تكون هذه الخرافة قد انبعثت من هذا النشيد، لأن الصخرتين قائمتان عند ابلفنتين. ورجح أن يكون غرض الشاعر أن النيل يدخل حدود مصر عند هاتين الصخرتين؛ فكأنه يولد عندهما بالنسبة لها وهو تعبير شعري جائز،