ولكن يحول دون ورود مناهل هذه الرياض ذات الأريج المنعش ما سنته أحلام الفلاسفة وفرضته الأديان وأقره العرف واصطلحت عليه الإنسانية منذ عصورها الأولى فورثته لنا أجيالها القديمة حتى صار من الأسس المقررة التي لا يمكن الخروج عليها دون أن تثور ثائرة الرأي العام وتقوم بصخبها العظيم تجاه النفوس الحساسة الرقيقة.
ولئن كانت في هذه الثورة نوازع إنسانية كثيرة جديرة بالإكبار والإعجاب، فإن فيها من الشطط والإجحاف بحقوق العالم الروحي شيئاً كثيراً، لا سيما وأن المجتمع الحضرمي كغيره من مجتمعات بني الدنيا، قد أضافوا إلى القيود التي يرتضيها العقل والدين والعلم قيوداً أخرى لا تمت إلى الإصلاح بشيء.
اللهم إلا إن كان جانب الإصلاح فيها ضئيلاً. وعلى كل فلن يقاس بالجانب العظيم الذي فقدناه من جراء كتم العواطف عند ذوي الإحساس المرهف، القادرين على التعبير عما تجيش به نفوسهم.
وإذا كانت هذه الأوبئة الطفيلية تتهادى بها الأمم، وتنتقل منها ولو إلى قطر بعيد كحضرموت قلْ من يقصده بالزيارة من بين الأقطار العربية والإسلامية بله الأقطار الأجنبية.
فإن حضرموت فوق ما سرى إليها من العدوى بيئة عربية إسلامية صوفية، بلغت المثل الأعلى في تطبيق القول بالعمل، حتى كأنها المعنية بقول الشاعر:
كأن ربك لم يخلق لخشيته ... سواهمُ من جميع الناس إنسانا
في هذه البيئة نشأ شاعرنا الشهاب العلوي، وجاشت نفسه بالشعر وهو في سن المراهقة، فتغنى وأغنى الشعب الحضرمي بالشعر الغنائي الوجداني، وذاعت شهرته في النوادي الحضرية، وفي المجتمع الحضرمي على اختلاف طبقاته، لأنه كان يقول الشعر وهو في هذه السن المبكرة بلغة حضرموت الدارجة، وبأوزانها الشعرية مما يدعونه بالشعر الحميني، أي غير الشعر المعرب ذي الأوزان العروضية الخليلية
والشعر الحميني قد يكون مرسل القافية كما يكون رباعياً، وأحياناً ثنائياً بلا نغم مردد، وإما نائياً بالنغم المردد.
فاضت نفس شاعرنا بالشعر الحميني وملأت به الجو الحضرمي ولكنها بعد ذلك سمت إلى