قبل أن يكتب التاريخ. فينبغي أن يقرأ بعض أثار كبار المؤرخين السابقين مثل: هيرودوت وتوسيديد وليفي وماكيافيللي وفيكو وجبون وفولتير. . . وأن يقرأ بعض المؤلفات الحديثة عن التاريخ عامة، وعن العصر الذي يرغب في الكتابة عنه خاصة. فيلم بثقافة تاريخية عامة، كما يعرف الطرق التي اتبعها الأقدمون والمحدثون في بحث وكتابة التاريخ
ومن المفيد أيضاً أن يلم الباحث في التاريخ بطائفة أخرى من العلوم المساعدة. فيلزمه أن يعرف شيئاً عن المنطق وتقسيم العلوم لكي يفهم موضع التاريخ من بقية العلوم الأخرى، كما ينبغي أن يدرس فلسفة التاريخ فيعرف أراء بعض الكتاب مثل: برجسون وكروتشي. وهو محتاج أيضاً لأن يعرف مسائل عامة عن علم النفس وعلم الاجتماع والاقتصاد والمالية والقانون والنظريات السياسية، والرياضة والفلك في بعض الأحيان، لأنه قد تعرض للباحث كل أو بعض هذه المسائل، فلابد من أن يكون ملماً بها، وإذا لم يكن يعرف بعض هذه النواحي، فيمكنه تحصيلها بسهولة
وأخيراً من الضروري جداً ألا يبقى الباحث في التاريخ في بلد واحد وفي دائرة محصورة؛ بل يلزمه السفر والارتحال إلى بلدان مختلفة، لا من أجل البحث التاريخي في ذاته فقط، بل لكي يرى أفاقاً جديدة، ويكسب خبرة بالناس وبالأوساط المختلفة. ومن الضروري أن يقضي زمناً في البلد الذي يدرس تاريخه. والأفضل أن يبدأ الباحث سفره بعد أن ينهي تعليمه الجامعي في بلده الأصلي، وبعد أن يقطع شوطاً في الدرس، وبعد أن يتعين له العصر الذي يرغب الكتابة عنه؛ فيسافر وقد تزود بأسلحة نافعة وبدأ طريق البحث العلمي، فيمضي في الدرس والكشف عن الحقائق التاريخية، ويزور الأماكن المختلفة، ويدرس ويتأمل؛ والنفس العالية لا تشعر بأنها غريبة في أي مكان
وهذا كله ملخص عن العلوم المساعدة وعن الأعداد اللازم لمن يتصدى لكتابة التاريخ. وليس المقصود بذلك التوسع في كل هذه النواحي لذاتها؛ فان هذا غير مستطاع. وإنما يكفي المعرفة العامة بقراءة بعض الكتب. وقد تزيد المعرفة في نواحي معينة من هذه العلوم المساعدة، على حسب طبيعة العصر الذي يرغب الباحث في دراسته والكتابة عنه. وقد يبدو من العسير جمع هذه الثقافة العامة؛ ولكن تخصيص حوالي ست سنوات أو سبع، تفعل عجائب، وتكفي للوصول إلى مستوى مناسب، يزداد بالتدريج. وروح العلم الصحيح لا