للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المتناهية، فقد كان رجالها يجهلون الإسلام والمسلمين ولا يعرفون عنهم إلا أموراً وآراء خاطئة ومشوهة؛ فإذا ما دهموا بلداً لهم وقرية انقضوا عليها انقضاض الباشق على فريسته، وهكذا كان الخلاف يشتد بين فريقي اللاتين القدماء والجدد، وكان يرمي بعضهم بعضاً بأشنع التهم؛ فقد كان الغربيون يقولون مثلاً إن المشارقة خونة لا عهد لهم ولا ذمة، يصادقون المسلمين أعداء النصرانية ويتعاقدون معهم؛ أما المشارقة وهم الذين صقلت طباعهم وتهذبت أخلاقهم وهدأت ثورة تعصب الذميم عندهم بفضل مجاورتهم للشرقيين، فقد كانوا يرون في فرسان الحملات المتتابعة شراسة في الطبع وغلظة في الخلق مع قوة متزايدة وجشع في سفك الدماء وميل غريزي للنهب والسلب، فكانوا لذلك يحتقرونهم ويخشون بأسهم

ولقد بحث الفارس المسلم والأديب المعاصر أسامة بن منقذ الكناني الشيزري في مذكراته (كتاب الاعتبار) عن اختباراته الشخصية في عادات الإفرنج الصليبيين فقال ليس عند الإفرنج شيء من النخوة والغيرة، وهم يعالجون مرضاهم بطرق ابتدائية، ويحاكمون المذنبين منهم بأساليب غبية عجيبة، وكل من هو قريب العهد بالبلاد الإفرنج يكون أجفى أخلاقاً من الذين تبلدوا وعاشروا المسلمين. ثم يذكر أنه نفذ صاحباً له إلى إنطاكية في شغل، وكان بها الرئيس تادرس بن الصفي - وهو يقصد يئودوروس صوفيانوس - وكان بينهما صداقة، فقال هذا لصاحب أُسامة الموفد إلى إنطاكية يوما: (قد دعاني صديق لي من الإفرنج: تجئ معي حتى ترى زيهم)، فمضى المسلم إلى دار فارس من الفرسان العتق الذين خرجوا في أول خروج الإفرنج، وقد اعتفى من الديوان والخدمة، وله بانطاكية ملك يعيش منه، فأحضر مائدة حسنة وطعاماً في غاية النظافة والجودة ورأى المسلم موقفاً عن الأكل فقال له:

(كل طيب النفس فأنا ما آكل من طعام الإفرنج ولي طباخات مصريات ما آكل إلا من طبيخهن ولا يدخل داري لحم خنزير)

فأكل المسلم وهو محترز ثم انصرف

(فلسطين)

ر. التميمي

<<  <  ج:
ص:  >  >>