ما يقتضي وضع الكتاب معالجته من الموضوعات المهمة، ولم يكن منصبهما المعروف في حلب ولا شعورهما الوطني يسمحان لهما أن يتنكرا هذا التنكر الضروري الذي يمكنهما من إيلاف الكثير المهم من الحفلات الدينية، والأفكار الاجتماعية، والأساطير الشعبية، التي قاما بوصفها. فنقص الملاحظة هو الخطأ الوحيد الذي استطعت أن أكشف عنه في كتابهما العلمي الجليل
أما ظروفي فكانت غير ذلك. فقبل قدومي الأول إلى هذا البلد شدوت شيئاً من العلم بلغة العرب وآدابهم. وكنت أستطيع - بعد سنة من قدومي - أن أتحدث إلى الشعب الذي كنت أعيش بين أفراده في شيء من السهولة. وقد عايشت صفة خاصة مسلمين من جميع الطبقات؛ وأخذت أخذهم في الحياة العامة. وكنت أصرح دائماً أنني أوافقهم على آرائهم كلما سمح بذلك ضميري اكتساباً صداقتهم وإخلاصهم؛ وفي أحوال كثيرة أخرى أمسكت عن مخالفتهم في الرأي، بقدر ما امتنعت عن أي عمل ينفرون منه. فأمسكت عما يحرمه دينهم من الطعام والشراب، وتركت ما لا يألفونه من العادات والأساليب: كاستعمال الشوك والسكاكين. واستطعت بفضل ألفتي لحفلاتهم الدينية العامة أن أشاهد أعيادهم وطقوسهم، من غير أن أثير الشك في أنني أجنبي لا يحق له التدخل في شؤونهم. وبينما كان العامة يظنونني تركياً - من ملابسي التي وجدتها أكثر ملاءمة لي - كان أصدقائي يعرفون طبعاً أنني إنجليزي. ولكني ألزمتهم أن يعاملوني معاملة المسلم باعترافي مختاراً بأثر العناية الإلهية في ظهور الإسلام وانتشاره، وبإقراري، عندما أسأل، باعتقادي في المسيح طبقاً لما جاء في القرآن من أنه كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه. وهكذا حسُن رأيهم فيَّ وقويت ثقتهم بي، ولكن إلى حد لم يغنني على مجابهة بعض الصعاب. والمسلمون يكرهون أن يبوحوا بشيء يتعلق بدينهم أو بأساطيرهم للذين يشتبهون في أنهم يخالفونهم في العاطفة؛ لكنهم لا يأبون الكلام في هذه الموضوعات مع من يعتقدون أن بينه وبينهم معرفة وألفة. لذلك كنت اعمد إلى سؤال الذين هم اكثر تساهلا واقل علما لأحمل الذين هم أوسع معرفة وأضيق صدرا على الكلام في المسائل التي أريدها. وبهذه الطريقة نجحت في التغلب على ترددهم. وكان لي أستاذان للعربية وآدابها، وللدين الإسلامي وفقهه، يدرسان لي بانتظام وباجر. وكنت أسالهما عما اشك فيه لأحقق ما سمعته في أحاديثي مع أصدقائي، أو أصححه