للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانت تتكلم بهدوء غريب وهي تغالب دموعها التي حفرت لها مجرى فوق وجنتيها الشاحبتين. . . ولا زالت كلماتها ترن في أذني وتتكرر في سرعة متزايدة

قالت إنه كان في إمكانها أن تنتشل أختها وأمها من بين الأنقاض لولا حملي إياها عنوة إلى المخبأ

حاولت جهدي أن أفهمها أن هذا كان مستحيلاً، وأنني خفت أن يسقط عليها جدار أو تنهار من تحتها الأنقاض فأفقد بموتها آمالي ولا يبقى لي سوى الاحزان، ولكنها كانت في حالة غير عادية. . . وكانت فكرة إمكان إنقاذ أهلها تتملكها وتلح عليها. وانتابتها بعد ذلك حالة ذهول هي أشبه بالإغماء، فلم تعارض حين شققنا طريقنا نحو محطة السكة الحديدية

لا زال القطار تتسارع دقاته، ومن حين إلى آخر يرسل أنيناً حاداً كأنه يشارك الناس أحزانهم وأنينهم

لقد صرنا في قلب الريف! الخضرة تلفنا من كل جانب. ما أروع اللون الأخضر؟!. . . إنه يهدئ الأعصاب ويحيي في النفس حب الحياة

الجو دافئ، وكأن ركاب القطار قد أنهكهم التعب فخيم السكون على المكان. أما عايدة فقد مال رأسها الرائع فوق كتفي، وهبت نسمات الأصيل الدافئة تطيح بخصلات من شعرها الثائر إلى وجهي فينقل ألي شذى عاطراً

لا زالت آيات الحزن مرتسمة على وجهك أيتها الحبيبة. . . وإني لأشاركك هذا الحزن؛ فقد كانت أمك تعوضني بعطفها وحنانها مما حُرمته منذ زمن طويل

أما أختك الصغيرة، فقد كانت عصفورة مرحة، ولا زالت صورتها مطبوعة فوق مخيلتي وهي تندفع نحوي وتدس يديها الصغيرتين في جيوبي باحثة عن الحلوى. . . ثم تأبى أن تفارقني حتى تنام فأحملها برفق إلى مخدعها. . .

نحن ذاهبون إلى أختي التي تسكن الريف. . .

إن لها ابنة صغيرة تشبه أختك. . . وستجدين هناك عطفاً وحناناً وستغفرين لي ذنبي!

سنبقى هناك حتى تنقشع تلك الغمامة التي تحجب سماء بلدتنا الحبيبة. . . ثم نعود إليها

وإني لأتخيل يوم عودتنا. . . سيكون القطار الذي نركبه مزدحماً. . . ولكن السعادة ستحل على وجوه المسافرين محل التعاسة التي نراها الآن مرتسمة على وجوههم. . . وإن

<<  <  ج:
ص:  >  >>