للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ورأيت (عايدة) تحاول أن تتملص عن أيدي رجال الإنقاذ الذين منعوها. . . من الاقتراب. . . من الأنقاض. . .

حاولت أن أصل إليها وأقنعها أن محاولتها هي الجنون بعينه، ولكن دون جدوى، فقد كان تيار الجمهور الجارف يدفعني إلى الوراء

وغابت عايدة عن ناظري لحظات، وعندما رأيتها ثانية كانت فوق الأنقاض، ولا أدري كيف وصلت إلى هناك. . . كانت ترفع قطع الحجارة المحطمة وبقايا الأثاث المتهالك. وكانت تفعل ذلك بقوة عجيبة لم أكن أعهدها في ساعدها البض ويديها النحيفتين الناعمتين. . . وقد انسدل شعرها الفاحم فوق وجهها حتى أخفاه

وحاولت أن أثنيها عن محاولتها الجنونية، فقد كانت هناك بضعة جدران تريد أن تنقض. ولكن أنى لها أن تسمع صوتي الضعيف. .؟

وفي هذه اللحظة سمعنا زمارة الإنذار ترسل نعيبها وكأنه نعيب غراب سوء،، وساد الهرج واندفع الناس كأنهم قطيع من البقر الوحشي نحو المخابئ

وبذلت جهود الجبابرة حتى وصلت إلى عايدة وكانت مكبة على عملها كأنها لم تسمع شيئاً. . . أفهمتها أن بقائها مستحيل، ولكنها لم تقتنع، بل أخذت تردد في صوت حزين: (دعني أنقذهم. . . دعني أنقذهم)

واضطررت إزاء إصرارها أن أقسو عليها بعض القسوة، فحملتها بين ساعدي كطفلة صغيرة، ولكنها قبل أن تغادر المكان كانت قد استخلصت من بين الأنقاض دمية صغيرة. كانت دمية أختها!

وقضينا ليلة مضنية. . . وعندما خرجنا من المخابئ كان الشفق الوردي ظاهراً في الأفق معلناً قدوم يوم جديد

وحملت عايدة مغمى عليها إلى منزلي

وهناك استطعت بمساعدة خادمتي العجوز - وهي الشخص الوحيد الذي يعيش معي - أن أسعف عايدة. وبعد مدة ليست قصيرة أفاقت

كان جفناها ذابلين وقد أحيطت عيناها بهالتين من الزرقة الداكنة. وكانت أصابعها لا زالت ممسكة بدمية أختها الطفلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>