(شوقي) في تأبين زعيم الشرق (سعد) وأودعها صورتين متقابلتين إحداهما صورة الحياة التي تعجز الموت، والأخرى صورة الموت الذي يعجز الحياة، منتزعاً من الحياة والموت معاً أصدق ما فيهما من العظات، وأجل ما فيهما من العبر والمثلات. وإنك لتجد فيما بين ذلك روحاً من الحكمة الكهلة ترف على بيت من أبياتها كما تدرج نسمة من الصبا في الخميلة النضرة الفيحاء. وقد تمثلت في هذا الشعر عاطفة شوقي المشبوبة وعظمة سعد الخالدة. وناهيك من خلدين تلاقيا، وسحرين تظاهرا)
جو القصيدة
لم أكن في مصر يوم مات سعد، وإنما كنت في باريس، فلا أعرف أين كان شوقي يوم مات سعد، فهل كان بمصر؟ في القصيدة ما يشهد بذلك، كان يقول:
قلتُ والنعش بسعدٍ مائلُ ... فيه آمالْ بلادٍ ومُناها
وفيها مع ذلك أبيات تشهد بأنه كان يصطاف في البلاد السورية، كان يقول:
سائلوا (زحلة) عن أعراسها ... هل مشى الناعي عليها فمحاها
عطل المصطافَ من سُمّاره ... وجلا عن ضفة الوادي دُماها
فتَّح الأبوابَ ليلاً دَيرُها ... وإلى الناقوس قامت بيعتاها
صدَع البرقُ الدُّجا تنشرُه ... أرض سوريَّا وتطويه سماها
يحمل الأنباء تسري موهِناً ... كعوادي الثكل في حرِّ سراها
عرض الشك لها فاضطربت ... تطأ الآذان همساً والشفاها
قلت يا قوم اجمعوا أحلامكم ... كلُّ نفس في ورِيديْها رداها
فهذه الأبيات صريحة في أن الشاعر كان في سورية حين مات سعد؛ فكيف جاز له أن يخاطب النعش ولم يكن من المشيِّعين؟
إنما صنع ذلك ليتسق له هذا الحوار الجميل:
يا عدوّ القيد لم يلمح له ... شبحاً في خطةٍ إلا أباها
لا يَضقْ ذرعُك بالقيد الذي ... حزّ في سوق الأوالي وبَرَاها
يا رفاتاً مثل ريحان الضحى ... كللتْ عَدْنٌ به هام رباها
وبقايا هيكلٍ من كرمٍ ... وحياة أترع الأرض حَياها