ودّعَ العدلُ بها أعلامَهُ ... وبكت أنظمة الشورى صواها
حَضنَتْ نعشَك والتفت به ... راية كنت من الذل فِداها
ضمَّت الصدر الذي قد ضمها ... وتلقّى السهم عنها فوقاها
عَجبي منها ومن قائدها ... كيف يحمي الأعزل الشيخ حماها
وهنا يظهر روح القصيدة، فالشاعر يتحدث عن القيد وعدو القيد، ويذكر الراية التي احتضنت نعش سعد، بعبارة لطيفة تعد من أدق العبارات، إذ جعل الراية تحس نار الفجيعة، وتشعر بفقد القائد الذي كان يحمي حماها، وإن جردته الأقدار من السلاح
عيون القصيدة
وفي هذه القصيدة أبيات روائع، منها قوله في فجيعة مصر بدفن سعد:
ما دَرَت مصر بدفنٍ صبِّحت ... أم على البعث أفاقت من كَراها
صَرختْ تحسبها بنت الشَّرى ... طلبت من مخلب الموت أباها
وقوله في جزع مصر لفقد الخطيب الذي أسكرها بسحر بيانه حيناً من الزمان:
طافت الكأس بساقي أُمةٍ ... من رحيق الوطنيات سقاها
عطلّت آذانُها من وتَرٍ ... ساحر رنّ مليَّا فشجاها
أُرغُنٌ هام به وجدانها ... وأَذانٌ عشقتْهُ أُذناها
كلَّ يومٍ خطبةٌ روحيةٌ ... كالمزامير وأنغام لٌغاها
دّلهتْ مصراً ولو أن بها ... فلواتٍ دلهَّت وحش فلاها
وقوله في مصاير الأحياء:
زورقٌ في الدمع يطفو أبداً ... عرف الضّفة إلا ما تلاها
تهلع الثكلى على آثاره ... فإذا خفْ بها يوماً شفاها
وقوله في فضل سعد على الثورة وجعلها خير ما ترك من الذرية:
ولدَ الثورة سعدٌ حُرةً ... بحياتي ماجدٌ حُرٌّ نماها
ما تمّنى غيرها نسلاً ومَن ... يلد الزهراء يزهد في سواها
رَقدَ الثائرُ إلا ثوْرةً ... في سبيل الحق لم تخمد جذاها
قد تولاها صبياً فكوتْ ... راحتَيْه وفتياً فرعاها