التأثر بما يعرض في دائرة حسه، والتي يتأهب عقل الطفل فيها لقبول المؤثرات التي تمتزج في مزاجه الرخص، فتبعث فيه صفات تختلف قوة وضعفاً تبعاً لتلك المؤثرات
إن العوامل التي لها الأثر العميق في تربية الوليد وتهذيبه كثيرة، والعناصر التي لها النصيب الأوفر في تنشئته تنشئة تتلاءم مع غاية الحياة وفيرة؛ على أن اللعب هو أهم تلك العوامل والعناصر في حياته، فاللعب إنما هو استعداد للحياة كما يقول العلامة (كروس). وقد ذهب المربي الكبير (فرويل) - وهو أول من أبتكر روضات الأطفال - إلى أبعد مما ذهب إليه زميله فهو يقول:(من خطل الرأي وعقم الفكر، أن ننظر إلى اللعب كشيء لا وزن له ولا قيمة؛ ولكن من حسن الرأي وبعد النظر، أن ننظر إلى اللعب كعامل له حيويته ومؤثراته وغايته. إن لعب الأطفال لأشبه بالبراعم لحياة الإنسان، فإن كانت هادئة أو مضطربة، ونشيطة أو خاملة، خصبة أو مالحة، مفعمة بالسعادة أو مغمورة بالألم، وتحمل رمز السلام أو صدى الحرب، كل هذه تتصل اتصالاً وثيقاً باللعب التي تغمر الطفل مدة طفولته)
ولابد لنا من أن نعرض نظريات اللعب المتعددة التي أختلف علماء النفس في أمرها وتفاوتت بحوثهم فيها، ليقف الإنسان على عواملها ودوافعها
ذهب بعضهم إلى أن اللعب ليس إلا ظاهرة من ظواهر الراحة، أو بعبارة أخرى ليس اللعب إلا فترة من الوقت يأخذ الجسم فيها قسطه من الراحة، والفكر حظه من الهدوء؛ ولا يسع المرء إلا أن يتساءل لماذا يطيب اللعب للإنسان، بعد أن يكون تعباً منهوك القوى، متوتر الأعصاب، اكثر مما تطيب له الراحة؟ ألا نشاهد الأطفال يرغبون في اللعب ويلتمسون فور نهوضهم من فراشهم؟ والحيوان ألا تراه يلعب من الصباح حتى المساء دون أن يقوم بعمل ما؟
وراح يزعم البعض وعلى رأسهم (شيلر) - وناصره بعد ذلك الفيلسوف الإنجليزي الكبير (سبنسر) - أن اللعب يمثل فيضان القوة الزائدة في الطفل؛ ويعلل ذلك أن القوى الحيوية تزداد عنده ازدياداً كبيراً في وقت لا يمكنه أن يصرفها إلى أي عمل ذي أهمية، فتتكتل هذه القوى، وتنساب إلى الشعب التي تكونت - فيما مضى من الأيام - في الجهاز العصبي، فتحدث في الطفل فيضاناً يدفعه إلى اللعب.