ولا ريب أن تكتل هذه القوى الفياضة بدفع الطفل إلى اللعب، ويساعده على التبسط به، ولكننا نجد أحياناً بعضاً من الأولاد - على الرغم من التعب الذي يستولي عليهم من جراء أعمالهم - لا يزالون يلعبون لعبهم حتى إلى وقت إغفائهم! وقد نشاهد أيضاً أن بعض المرضى من الأولاد، يفزعون إلى ألاعيبهم، يلعبن بها ويعبثون، قبل إبلالهم من مرضهم وحتى قبل استكمالهم قواهم ونشاطهم!
ويرد (ستانلي هول) أسباب اللعب إلى عوامل وراثية بعيدة خلفتها الأجيال الماضية. فيقول: إن اللعب ليس الأقوى بدائية للأنسال السالفة ورثها الطفل وأحتفظ بها. وهذا الرأي يطابق ما ذهب إليه (هيكل) من أن الطفل يمثل في لعبه ما مر على الإنسان من الأدوار في نشوئه
وما اللعب في نظر (هول) إلا عبارة عن ارتياض ضروري لإخفاء بعض الوظائف التي أصبحت عديمة الفائدة؛ فالهدف الذي أراده من نظريته هذه هو أن اللعب ليس وسيلة للقضاء على هذه الوظائف وتكييفها وإعدادها لقبول حياة جديدة
على إن أهم تلك النظريات التي فازت بإعجاب قسم كبير من علماء النفس هي نظرية (التدريب الإعدادي) ? وأول من فكر فيه وتعمق في دراستها العالم الكبير عام ١٨٩٦ في كتابه (ألعاب الحيوان)
أراد هذا العالم أن يتجه في درس اللعب إلى ناحية جديدة - بعد أن لمس عقم نظريات زملائه - فولى وجهه شطر الناحية البيولوجية من بحثه ليقف على دقائقها وليعرف كنه أسرارها. ولقد وفق (كروس) في نظريته هذه توفيقاً كبيراً، حتى أنه أدرك القوى العقلية وتفهم اضطراباتها، لا عند الإنسان فحسب، بل عند الحيوان أيضاً
ولو أردنا أن نبحث، على ضوء هذه النظرية القوى الفعالة للعب، لوجدناه يختلف جد الاختلاف في جماعة الإنسان، ويتباين بتباين أنواع الحيوان. فالهرة الصغيرة تقبع في ركن من أركان الحجرة، منبسطة اليدين، مغمضة العينين، مرهفة السمع، حتى إذا ما اهتزت أمامها ورقة ما أو سحبت من أمامها، تراها قفزت عليها قفزة سريعة، وداعبتها بيديها فترة من الزمن، ثم مزقتها بأنيابها، فكأنها بعملها هذا تستعد للحياة وتهيئ نفسها للقفز على فريستها في المستقبل. والجدي الذي يمارس النطاح منذ صغره يعد نفسه للحياة التي عرفت