عنه، فلكل حيوان غريزة خاصة به، أتته عن طريق الوراثة البعيدة أو القريبة من الفصيلة التي ينتسب إليها، فتظهر هذه الغريزة واضحة جلية - وان كانت في بدئها ضعيفة إلى حد ما - منذ النشأة الأولى
وقد تتفاوت مدة نمو هذه الغرائز في الحيوان بتفاوت درجته في سلم الحياة، فالحيوانات الدنيا تحتاج إلى مدة أكثر مما تحتاجه الحيوانات العليا، لاستكمال نمو غرائزها واستيفاء قوتها؛ وقلما نجد غريزة في حيوان آخر، فالهرة تقفز على الورقة إذا ما اهتزت أو تحركت، ولكنه يتأهب للنطاح حالاً إذا وجد أمامه جدياً آخر؛ فالهرة تجهل النطاح، كما أن الجدي يجهل القفز، لأن لكل منهما غريزته الخاصة به
كذلك نرى للإنسان غرائز بقدر ما لديه من أنواع اللعب: فغريزة للصيد، وثانية للقتال، وأخرى للمداعبة وغيرها. . . على أن هذه الغرائز الموروثة لا يكتمل نموها ولا تستوفي حيويها إلا باكتساب واقتباس جديدين؛ ولن يفوز الإنسان بهذين العنصرين الهامين إلا بعد ممارسة اللعب الذي من شأنه أن يعد المرء للحياة الصحيحة. لذا وجب على الإنسان - وهو أكثر الحيوان طفولة - أن يلعب، ويلعب كثيراً سنين عديدة، كي يمسي فيها بعد إنساناً جديراً بالحياة؛ إذ أن اللعب، في الواقع، يروض بعض قواه الفعالة، ويروض معها بعض وظائف أعضائه، ويسمو هذا الترويض بالإنسان إلى ما يصبو إليه من أهداف سامية وغايات نبيلة
هذه هي أهم تلك النظريات التي أشبعها علماء النفس درساً وبحثاً، ولا بد لنا من الرجوع إلى البحث عن أثر الألعاب في حياة الإنسان بعد أن أتينا على ذكر عواملها المتعددة
والواقع أن اللعب لا يعني الراحة ولا التسلية؛ وإنما هو عمل حيوي للإنسان، له الأثر الأكبر في حياته، كما أن له خصائص بيولوجية، تسهل على المرء سبل التقدم، وتمهد له طريق الحياة
فالرغبة في اللعب إنما تنبثق من الغريزة الكامنة فيه، فيختار من الألعاب ما يتفق وميوله ورغباته وتساعده على بلوغ هدفه. على إن هذه الرغائب وهذه الميول تتنوع بتنوع العوامل الاجتماعية والخصائص الفردية، إذ تعبر عما يختلج في نفسه من هذه الخصائص وتفصح عن نفسيته بأجلى مظاهرها