للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بل بين جميع العالم السكسوني الإنجليزي

وغريزة التضامن مصدر للنظام الاختياري الذي لا يشبه النظام الفرنسي ولا للنظام الألماني من باب أولى، فإن الألماني يخضع لأمر، والفرنسي يخضع لمبدأ، والإنجليزي يخضع لنفسه، لغريزته، لرغبة الحياة في المجموع، وهي رغبة طبيعية لديه بمقدار الرغبة في الحياة. النظام الألماني رق اختياري، والنظام الفرنسي خضوع الإرادة للآراء الواضحة البينة؛ أما النظام الإنجليزي فهو فيض غريزة خاصة بكل إنجليزي، وهو وثيق الصلة بفكرة الخدمة: الخدمة التي يؤديها الإنسان طواعية إلى قريبه، لا الخدمة التي يؤديها الشخص إلى متبوعة. وكلمة موظف تترجم في الإنجليزية (بالخادم المدني)، فان لفكرة الخدمة الاجتماعية عند الإنجليزي معنى يشبه المعاني الدينية. ومن الواجبات الرئيسية على رجال الدين الانجليكانيين والبروتستنت في إنجلترا غرس الخدمة الاجتماعية، ومكافحة البؤس والأماكن غير الصحية، وتنظيم الإحسان العام ومقاومة البطالة، وتعويد الإنسان أن يكون نافعاً على أية صورة وبأية وسيلة؛ ولكن ذلك غير مقصور على الكنائس والقسس فحسب، ولكن التعاون الاختياري منتشر بين جميع الطبقات وفي جميع ولايات المملكة المتحدة، وفي مجموع العالم الإنجلوسكسوني

ولتفهم غريزة التضامن الإنجليزية يجب التنويه على الأخص بأنه تضامن إيجابي في العمل، وليس عاطفة سلبية بتحمل المسؤولية المشتركة مما يمكن أن نجدها كذلك في الشعوب الأخرى، فأن الصدارة في العمل تتأكد في هذا الميدان كما تتأكد في مجال الاستمرار التاريخي، في التقاليد الحية. ففي اللحظة التي يهدد الخطر بلاده فيها، وتكون الضرورة إلى العمل المشترك لا محيص عنها، يتجه الإنجليزي بكليته نهائياً إلى تقليده وإلى جماعته، وعندئذ تبلغ عبقريته الفردية أقصى قوتها وتتكشف عن كافة مواردها

إن أهم ما يريد الإنجليزي قوله يقوله في صوت خافت، فإذا كان قلقاً بدا أكثر صمتاً وهدوءاً من قبل، حتى إذا هدد الخطر جميع الذين معه يدرك أن الصمت لم يعد يكفي، وأنه يجب عمل شئ آخر يسهل إنجاز أثقل الواجبات؛ وكلما ازداد الخطر بدت على وجوه المارة في لندن علائم الأنس واللطف

لقد تكلم الناس كثيراً عن قوة بريطانيا المادية وقوة بحريتها وطيرانها، ولكن الذي يفوق هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>