للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذهنه، فهو بطئ في التحرك، ولكنه عندما تستولي عليه فورة العمل لا يقفه شئ، فإنه عندما يتصرف يؤدي عمله بكل جوارحه وقلبه. وكيف لا يكون كذلك وهو في أثناء العمل يشعر أنه كالسمكة في الماء لا تشعر وهي في الماء بالحاجة إلى العنف لتسبح، ولهذا لم يكن في النشاط الإنجليزي أثر من الضيق أو الوهن، بل تصحبه الابتسامة والراحة

وإننا نجد في بعض رسائل الشاعر الروسي تيوتشيف بتاريخ ٢٥ يونيو ١٨٥٥ قوله: (أما عن العدو - ويقصد الأسطول الإنجليزي في حرب القرم - فقد تبادلت الرسل بين الفريقين هذه الأيام، ولقد كان بين الطلبات السخيفة التي طلبت منا، طلب في غاية الغرابة، هو أن نمنحهم ركناً صغيراً في أرض محايدة ليستطيع رجال أسطولهم أن يتصرفوا إلى لعبتهم المحبوبة (الكريكيت)).

صحيح إن حرب ١٨٥٥ لا تشبه الحرب في ١٩٣٩، ولكن الخلق الإنجليزي لم يتغير تغيراً محسوساً، ومع ذلك فإن طلب البحارة الإنجليزي لم يكن سخيفا كما ظن تيوتشيف، لأن التدريب الرياضي جزء من نظام التعليم الذي خلق طراز رجلالعمل الإنجليزي السكسوني

غريزة التضامن

وهناك مظهر أساسي آخر للنفس الإنجليزية، هو غريزة التضامن التي تسود العاطفة الشديدة للمنفعة المشتركة والعمل المشترك؛ فإن النفس الإنجليزية ممتلئة أكثر من أية نفس أخرى بهذه العاطفة. فالتضامن للإنجليزي، سواء أكان مقصوراً على أعضاء الجماعة الصغيرة أم كان يشمل الوطن كله، ليس شئ معنوياً أو مثلاً أعلى للأخلاق أو الاجتماع، وإنما هو حقيقة واضحة مادية، بل هو ضرورة يشعر بالحاجة إليها، وكل أمة جديرة بهذا الاسم تتآزر في الخطر إذا داهمها من الخارج، ولكن ذلك يكون عن اقتناع بالضرورة إليه؛ أما في إنجلترا، فإن الذي نراه في مثل هذه الحالات هو غريزة غير واعية، ولو أنها سليمة الإدراك، وهي تشبه من بعض الوجوه الغريزة التي تثير أعضاء فريق الكريكيت عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الشرف الرياضي لقرية أو مدرسة. وقد أصبحت التقاليد والتعليم طبيعة ثانية، فانه في الخلايا الاجتماعية الصغيرة وفي الحياة اليومية تتكون على التحقيق الغريزة التي يمكن أن توحد، عندما تسنح الفرصة، بين جميع إنجلترا، وكل الإمبراطورية،

<<  <  ج:
ص:  >  >>