غلبة الشهوة وطغيان الأثرة. ولكن النفس البشرية على ما بلغته من المدنية والثقافة لا تزال في سرائرها بقايا من نوازع القوة تفسد بها وتصلح. فهي في السلم الطويلة والرخاء الوارف تنماع فلا يمسكها غير الشدة، وفي لحكم الصارم والسلطان الغشوم تذل فلا يعزها غير الهوادة. لذلك كانت الديمقراطية يا صديقي كاللحم: كلما اعتل الجسم واختل نظامه، كان أول ما يشير به الطبيب على المريض ترك اللحم. كذلك كلما انحل الشعب واسترخت قواه واضطرب أمره، كان أول ما يأمر به الزعيم نسخ الديمقراطية. ذلك ما كان في روسيا وإيطاليا وألمانيا وأسبانيا، ثم كان أخيراً في فرنسا وطن الجمهورية ومعبد الحرية ومعقل الدستور! كأنما خلق الإنسان آكل عشب فاللحم دخيل على طعامه، وكأنما فطر على الجبر والإكراه فالحرية غريبة على نظامه!
وافقني صديقي على جملة الرأي؛ ثم أخذ بطرف من الحديث وجذبه بعنف إلى حالنا التي لا تشبه حالاً من أحوال الأمم! وصديقي حديد اللسان جرئ الرأي فلا أستطيع أن أنقل إليك ما قال في خضوع القطيع لرجل أسمه الباشا، وفناء الجميع في فرد أسمه الزعيم