يثير اهتمام الرأي العام، لو لم تكن حياتنا الاجتماعية قد تأثرت مادياً بالمدنية الغربية
ولقد اقتبسنا عن الغرب أشياء كثيرة، منها مظاهر سطحية كأساليب الأكل واللباس، ومنها مظاهر أعمق كأساليب التشريع والقضاء والتعليم، ولكن وراء كل هذه المظاهر يكمن تأثر مادي أساسي، هو اقتباسنا لبعض الأساليب الحديثة في إنتاج الثروات، أي لبعض الصناعات الآلية التي نمت في مصر نمواً مطرداً في السنوات الأخيرة
ودخول الصناعة الحديثة في مصر معناه نشوء طبقتين جديدتين: طبقة رجال الأعمال من ناحية، وطبقة العمال من ناحية أخرى. ورجال الأعمال يعيشون في جو مادي، ولهم أساليب في التفكير، ولهم مصالح اقتصادية تختلف عن نظائرها عند أولئك الذين تعتمد ثروتهم على ملكية الأراضي المزروعة. فمن مصلحة رجال الأعمال مثلاً أن ينتشر التعليم، لأن المصانع محتاجة إلى العدد الوفير من العمال الفنيين وإلى العلماء والمهندسين وماسكي الدفاتر. . . وليس لطبقة ملاك الأرض مصلحة ما في أن يستخدم نصيب من الضرائب المفروضة عليها في إنشاء المدارس الفنية. . . فالزراعة في مصر ما زالت تسير على الطرق البدائية التي كانت تسير عليها في عصور الفراعنة. ومادامت الأيدي العاملة في الزراعة رخيصة إلى الحد الذي نراه، فلن يسعى ملاك الأرض إلى استخدام الآلات الزراعية الحديثة الغالية الأثمان، ولن يحتاجوا تبعاً لذلك إلى المتعلمين تعلماً فنياً إلا بقدر ضئيل. وهذا هو السبب الأساسي في نكبة خريجي مدارس الزراعة على قلتهم في بلد تعيش أغلبيته على الإنتاج الزراعي
وهذا في رأينا هو بعض التفسير المادي للمجادلات الصحفية التي كثرت في السنوات الأخيرة عن التعليم في مصر وضرورة توسيعه أو تحديده أو تغيير مناهجه
وقد تنبه رجال الأعمال في مصر من وقت ظهورهم إلى أن العقبة الأولى التي تقف في سبيل توسعهم الصناعي ورواج بضائعهم هي المنافسة الأجنبية. ومن هنا كانت الدعوة إلى الوطنية الاقتصادية التي لعبت دورها أولاً في حركة الاستقلال وإلغاء الامتيازات، ثم استحالت دعوة مستقلة لتشجيع المصنوعات المصرية. . .
أما العقبة الثانية - وقد بدأ التنبه إليها حديثاً - فهي ضعف السوق المحلية. وما دامت الصناعة المصرية لا تطمع في منافسة الصناعة الغربية في الأسواق الأجنبية، فهي