ولقد لفت حياء نسائها نظر البتانوني فأثنى عليهن ونعتهن بالاحتشام وغض البصر والإطراق إلى الأرض في غير تحديق إلى الرجال. والظاهر عندي أن ذلك الحياء حياء جميل يكاد يكون طبعاً في نساء الأندلس اليوم، فقد رأيت كثيراً من فتيات أسبانيا المتعلمات يفدن إلى جامعة (تور) بفرنسا لتعلم الفرنسية في عطلة الصيف، ورأيت منهن الحياء والعفة والبعد عن التبرج الممقوت الذي كنت أنعيه على نساء فرنسا، ورأيت منهن ما يؤيد قول البتانوني (ومع أن بلادهم حارة جداً لا تكاد ترى صدورهن عارية)
على أن هناك رحالة ثالثاً معاصراً تعرض لذكر الأندلس في كتابه (السفر إلى المؤتمر) وهو المرحوم احمد زكي باشا؛ إلا أن حديثه عن الأندلس جاء في عرض كلامه عن رحلة إلى المؤتمر، ولم يكن حديث الأصالة كما فعل الأمير شكيب والبتانوني
وأغلب المعلومات التاريخية التي أوردها الرحالتان مستقاة من نفح الطيب الذي اختص قرطبة في الجزء الأول بحديث طويل. ويروي المقري صاحب نفح الطيب عن ابن سعيد المغربي أو عن الشريف الإدريسي، أو عن الحضرمي
ومعتمدنا في كتابة هذا الفصل عن قرطبة على كتاب نفح الطيب الذي يعد بحق مرجعاً وافياً لتاريخ الأندلس
ولقد وصف كثير من العلماء (قرطبة) في أزهى عصورها وأجمل أيامها، ويستشهد (المقري) بأقوال هؤلاء العلماء، إلا أنه لا يذكر أسمائهم ولا يدلي بخبر عنهم، فهو يقول مثلاً: قال بعضهم، وقال بعض العلماء. . . وفي الوقت نفسه يذكر أسماء الأعلام منهم، أو الذين وصل إليهم علمهم، واشتهر عنده اسمهم: كالحجازي والحضرمي وابن سعيد والبكري
ولقد ذكر ابن سعيد عمارة قرطبة فقال: إن العمارة اتصلت بها في أيام بني أمية ثمانية فراسخ طولاً وفرسخين عرضاً، وذلك من الأميال أربعة وعشرون في الطول وستة في العرض، وكل ذلك ديار وقصور ومساجد وبساتين بطول ضفة الوادي الكبير.
وذكر آدم متز المستشرق في كتابه:(الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري)، نقلاً عن ابن عذاري المراكشي صاحب كتاب البيان المغرب أن عدد الدور التي كانت بها للرعية دون دور الوزراء وأكابر أهل الخدمة مائة ألف دار وثلاثة عشر دار، وأن