مساجدها ثلاثة آلاف:(الجزء الثاني من الحضارة الإسلامية ترجمة محمد عبد الهادي أبو ربدة ص ٢٢٧).
ولقد بلغ من اتساع قرطبة وامتداد مساحتها واتصال العمران بها أن عدد أرباضها بلغ واحداً وعشرين ربضاً، وفي كل منها من المساجد والأسواق والحمامات ما يقوم بأهله ولا يحتاجون إلى غيره
وفي خارج قرطبة امتدت قرى كثيرة قدرها ابن سعيد بثلاثة آلاف قرية. وهو عدد إذا فرضنا أن المبالغة التاريخية قد ضاعفته، فهو يدل بغير شك على ازدحام القرى حول تلك العاصمة الإسلامية، كما تزدحم القرى الصغيرة والكبيرة حول (لندن) اليوم مثلاً، وتمتد إلى عشرات الأميال. وقد قدر لنا أن نرى هذه القرى اللندنية من أعوام خلت
وكان القرويون من أهل أندلس لا يقطعون ترددهم على قرطبة واختلافهم إليها في كل مناسبة صغرت أم كبرت، وكان أعظم ما يجذبهم إليها شهود يوم الجمعة للصلاة مع الخليفة والتسليم عليه ومطالعته بأحوال بلدهم
ولقد بلغت المنافسة بينها وبين بغداد حداً عظيماً، حتى لقد أحبها المؤرخون من أهلها، فحابوها بالوصف، كما يقول المرحوم شوقي:(ولكن من أحب الشيء حابى). . .
وحاول كثير من وصافها أن يلحقوها ببغداد في أيام عظمتها، حتى لقد زعم قوم من أهلها أنها كأحد جانبي بغداد، وإن لم تكن كأحد جانبيها فهي قريبة من ذلك
ولم تكن قرطبة خاملة الذكر وضيعة المحل قبل الفتح العربي ولكنها كانت عامرة فزادها الفاتحون من المسلمين عمراناً، وزادوها عظمة بما بنوا في ضواحيها من القصور الكبيرة أشباه المدن الضخمة (راجع تاريخ التمدن الإسلامي لجرجي زيدان جـ ٥ ص ٩٠)
ويغلب على الظن أن قرطبة قبل الإسلام كانت مما شيده القرطاجيون، ثم صارت تابعة للرومان سنة ١٥٢ ق. م إلى أن دخلها المسلمون، وجعلوها حاضرة الملك ومقر الأمارة، وحاولوا أن يخلعوا عليها من جلال الملك ما يدنيها من عواصم الشرق الكبرى، ولعبت المنافسة في ذلك الدور العظيم
وكان فيها نظام الطبقات البنائي كما حدث في القاهرة وفي بغداد وفي سامراء وفي دمشق وفي غيرها من العواصم. والواقع أن فكرة التقسيم بين الطبقان قديمة منذ الزمان الأول؛