أهل قرطبة منذ عهد المرابطين عرضة للحوادث وغرضاً للشغب. وجاء المتعصبون من النصارى فحاولوا أن يزيلوا للإسلام كل أثر، وأن يدكوا للعرب كل قاعدة، وأن يهدموا من الحضارة العربية كل ركن؛ فزال البناء ومات البنَّاء، وبكى حين لا ينفع البكاء. وهل يرد الملك المضيَّع فيض الدموع، أو يعيد المجد المحطم وقد الضلوع؟ ولم يدم ذلك الجلال طويلاً. ففي القرن الخامس الهجري أخذ كل شيء ينذر بسقوط قرطبة. وقبل ذلك بزمن كانت هذه العاصمة الجميلة مسرحاً للفتن، وميداناً للمحن. وصار الخلفاء يولون ويعزلون في أجل قصير وأمد قريب. فتولاها في مدة يسيرة ستة من الأمويين، وثلاثة من بني حمود، مما انتهى إلى التفرقة والانقسام
وكان الأمراء يختلفون ويحتربون وتسيل دماء الناس على أيامهم. وقام العداء بين أمير وأمير، ومدينة ومدينة. ودارت الحرب بين طليطلة وقرطبة وظلت بضعة أعوام تتخللها معارك مضطرمة بين الفريقين، انتهت نهاية مؤلمة ومصيراً محزناً بالنسبة إلى قرطبة وحاكمها ابن جهور. فقد صاحب طليطلة بابن جهور وضرب الحصار على العاصمة القديمة للأندلس، ولم يرفع عنها إلا بعد أن أسيلت الدماء، وانهارت على إثر ذلك دولة بني جهور في قرطبة
ومن هذه الفتن أيضاً ما حدث بعد ذلك بقليل، فقد هاجم أهل طليطلة ومرتزقة قشتالة على غرة، فسقطت في أيديهم بلا مقاومة، ولكن نشبت بين الفريقين في الزهراء - مجمع القصور الملكية - معركة دموية دافع فيها الحرس عن القصور دفاعاً شديداً. وقتل ابن الأمير ابن عباد، ورفع رأسه على رمح وطيف به في شوارع قرطبة
ولم يطل ملك بني عباد، حتى تغلب عليه المرابطون سنة ٤٨١ فالموحدون سنة ٥٣٩؛ وانتقصت أطراف هذا الفردوس الجميل شيئاً فشيئاً