للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سلالة وسلالة أو عنصر وعنصر من عناصر الأحياء. ونعني أنه فرق لا يفسره اختلاف البيئة واختلاف التعليم واختلاف المصادفات العارضة، لأنه أعمق من ذلك وأعرق وأشد إيغالاً في الطبائع على مثال لا نراه إلا في اختلاف وظائف الأعضاء

ويجب أن يكون هذا الفرق قد تجمع في أجيال بعد أجيال، وفي موروثات بعد موروثات، حتى أصبح وشيكاً أن يفصل بين الآدمي والآدمي كما ينفصل الحيان المتباينان. ومناط ذلك فيما تعتقد الأعصاب ثم الخلايا التي يتألف منها نسيح الأجسام، لأن الأعصاب والخلايا هي أجزاء الجسم التي تتسع لتخزين الملكات والطبائع في العصور بعد العصور، والسلالات وراء السلالات. فيما أبعد الفارق بين إنسان تملأه المطالب التي تملأ الحيوان الأعجم حتى لا تبقى فيه بقية للمزيد، وبين إنسان يستوعب الأحاسيس والأفكار، ويستكنه المجهولات والأسرار، ولا يزال بعد ذلك كأنه في حاجة إلى أكوان وراء هذا الكون تملأ ما في نفسه من آفاق لا تمتلئ ولا تزال مشرئبة متشوفة إلى المزيد

هنا نفهم معنى الشوق إلى المعرفة ومنه الشوق إلى المطالعة، فإنه على هذا التفسير وظيفة حيوية في أصل البنية وليس بالبدعة الحديثة التي ظهرت بظهور الورق والمداد أو بظهور المطبعة والكهرباء

وهنا نعرف لماذا تضيق حياة الفرد في بعض الأمم حتى يوسعها بالفرجة والاستطلاع والرياضة واستيعاب الأخبار ومشاهدة الآثار والأقطار، ثم يكتفي الفرد في أمم أخرى بما يشغل الحيوان فلا يتعداه باختياره إلى أمد بعيد. وغاية ما نرجوه ألا يكون بين أمم الشرق وأمم الحضارة الحاضرة فارق كالذي نحسبه فيصلاً متغلغلاً في أصول التكوين. فكل ما عدا ذلك فهو قابل للإصلاح والعلاج

إذ الحقيقة أن القراءة لم تزل عندنا سخرة يساق إليها الأكثرون طلباً لوظيفة أو منفعة، ولم تزل عند أمم الحضارة الحاضرة حركة نفسية كحركة العضو الذي لا يطيق الجمود. وربما تغيرت موضوعات الكتب وأثمانها وأساليب تداولها عندهم في الفترة بعد الفترة وفي العهد بعد العهد وفاقاً لتغيير الأحوال. أما أن تنقطع الكتب أو ينقطع الاطلاع فذلك عندهم أقرب شيء إلى المستحيل. ولو شئنا لأحصينا هنا عشرات الموضوعات التي أثارتها الحرب ونشطت لها أقلام الكتاب في زمن يخاله بعضنا صارفاً عن كل كتابة وكل قراءة، ولكننا في

<<  <  ج:
ص:  >  >>