للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

للنهضة الصناعية، وقد وجدت الصناعة الغربية أسواقاً ضخمة بين الشعوب الآسيوية والأفريقية فنشطت واتسعت واستطاعت أن تستوعب القدر الأكبر من خريجي المدارس؛ بينما جاءت الصناعة إلى مصر بعد أن اكتظت الأسواق الخارجية بالمصنوعات الغربية، فلم يبق أمامها غير السوق المحلية، وهي سوق في غاية الضعف كما قلنا بالنسبة للفقر الشنيع الذي تعيش فيه أغلبية الشعب، ونتيجة هذا أن الصناعة (وما يتبع الصناعة من أعمال تجارية ومرافق عمرانية) لا تنمو في مصر ألا في بطئ هو أشد من البطيء الذي ينتشر معه التعليم

وعلى ذلك فنحن نرى أن السبب العميق لظاهرة المتعلمين العاطلين بالنسبة لمصر هو هذا الفقر الساحق الذي تعيش فيه غالبية الشعب

ولسنا من المدافعين عن مناهج التعليم في مصر؛ ولكنا لا نرى في عيوب هذا التعليم السبب الأساسي في عدم اشتغال الشبان المتعلمين بالأعمال الحرة. فالواقع المشاهد أن هؤلاء الشبان لا يترددون عن الاشتغال بأي عمل منتج؛ وقد رأينا من حملة الشهادات من يبيع أوراق النصيب في الشوارع، ولكن الأعمال الحرة في مصر - بحالتها الاقتصادية الراهنة - مكتظة بالمشتغلين بها، وشوارع المدن الآن ليس فيها مكان لحانوت جديد، ولن يتسع المجال أمام الأعمال الحرة إلا إذا اتسعت الحركة العمرانية، أي إلا إذا نفذت وسائل الحياة الحديثة إلى الريف ونشأت فيه مدن جديدة، وهذا كله موكول بالتقدم الصناعي وارتفاع مستوى المعيشة بين الفلاحين والعمال

ويهمنا الآن أن ننبه إلى الصلات الاقتصادية التي تربط مشاكل الفلاحين، ومشاكل العمال، ومشاكل العاطلين من عمال ومتعلمين. فمن فائدة العمال أن ترتفع أجور الفلاحين حتى تروج تجارة المصنوعات وتزداد حاجة أصحاب المصانع إلى العمال فترتفع أجورهم. ومما يودي العمال المنشغلين أن يوجد إلى جانبهم عمال متعطلون؛ لأن الخوف من البطالة يضطر العمال إلى القبول ما يعرضه أصحاب المصانع من أجور مهما انحطت. وما يقال عن العمال يقال عن المتعلمين العاطلين وعن صغار الموظفين؛ فالمصانع تحتاج إلى خريجي المدارس كما تحتاج إلى عمال؛ والتقدم في الإنتاج الصناعي يفتح الأبواب للكثير من الأعمال الحرة أمام المتعلمين، ووجود عدد كبير من المتعلمين العاطلين يخيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>