إلى مكان وقوف المؤذن ٥٤ ذراعاً، والى أعلى الرمانة الأخيرة ٧٣ ذراعاً، وعرضها في كل تربيع ١٨ ذرعاً
وقد حول نصارى أسبانيا هذا المسجد إلى كنيسة بعد أن دخلت الأندلس في حوزة الفرنجة. وما تزال النقوش العربية العجيبة الشبيهة بالمخرم (الدنتلا) تزين وجهته وعلى الباب الكبير المصفح بالنحاس رسم القوم صلباناً بعد أن تم التحويل إلى كنيسة. وبقية المئذنة على حالها؛ إلا أن النواقيس أصبحت ترم فيها بعد الأذان والتكبير، وما تزال الآيات القرآنية الكريمة مكتوبة في دار القبلة والمحراب بالخط الكوفي. أما القبة الضخمة التي كانت قائمة فوق المسجد على ٣٦٥ عموداً من المرمر، فقد أزيلت وأزيل معها ١٦٣ عموداً كما أزيل بعض سقف المسجد المحلاة بالأطلية الجميلة والليقة الذهبية؛ ونهب الفرنسيون في غارة نابليون الأول على إسبانيا أربعمائة مصباح من الفضة الخالصة. ولا تنس أن جميع خشب هذا المسجد من عيدان شجر الصنوبر الطرطوشي الذي تضرب به الأمثال في الصلابة والثبات
ويذكر الإدريسي أن بمسجد قرطبة مصحفاً يقال أنه عثماني. ويروي صاحب نفح الطيب الخبر عن الإدريسي، ثم يرويه في العصر الحديث الأمير شكيب صاحب الحلل السندسية، ويذكر أنه المصحف الذي خطه بيمينه عثمان بن عفان رضي الله عنه وفيه نقط من دمه، ولكن البتانوني يناقش هذه الرواية في تحقيق علمي، وينفي عقلاً أن ينتقل مصحف عثمان الأصلي من المدينة إلى الأندلس
وإذا ذكرت قرطبة، ذكرت بجانبها (الزهراء) التي بناها أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر، ولم يكتمل بناؤها ألا في عهد ابنه الحكم؛ وقد شرع الناصر في بنائها على بعد أربع أميال من قرطبة مرضاة لمحظية له كان اسمها زهراء
ويروي المقري عن ابن الفرضي انه كمل للناصر بنيان القناة الغريبة الصنعة التي أجراها وجرى فيها الماء العذب من جبل قرطبة إلى قصر الناعورة غربي قرطبة في المناهر المهندسة، وعلى الحنايا المعقودة يجري ماؤها بتدبير عجيب وصنعة محكمة إلى بركة عظيمة عليها أسد عظيم الصورة، بديع الصنعة، شديد الروعة، لم يشاهد أبهى منه فيما صور الملوك في غابر الدهر، يدخل الماء إلى جوف الأسد ويخرج من عجزه إلى تلك