للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

معه بعض الأخصائيين في نسخ جزء من الوثائق، كما يمكنه أن يصور بالفوتوستات جزءاً آخر على حساب الحالة. ولا يكتفي الباحث بكل ذلك، بل يمضي بالبحث والكشف عن الوثائق في أماكن أخرى مثل باريس ومدريد ولندن. . . ويدرس الباحث المادة التي جمعها ويقارن بين مجموعات الوثائق التي كشفها ويوازن بين معلوماتها وبين ما وصل إليه من المراجع والأصول المطبوعة، ويستخلص الحقائق التاريخية التي يمكنها الوصول إليها، كما سنرى ذلك في المقالات التالية. وهذه كلها أمثلة عملية تعطى فكرة عامة عن كيفية البحث عن الوثائق والأصول التي تظل مجهولة للعلم حتى يكشف عنها. وإلى آخر لحظة يظل الباحث يتوقع كشف أصول جديدة توضح أو تغير ما وصل إليه من الحقائق مما قد يضطره إلى تعديل معلوماته إذا لم يكن قد طبع بحثه بعد، أو إلى تغييره إذا ما أعاد طبعه

ويتصل بالوثائق الرسوم والصور وهي مهمة من ناحية تاريخية. والأثر الذي يحدثه الشكل يسجله الفنان على الورق أو على المرمر، والصف الكتابي مفيد في بيان عادات وخلق نابليون مثلاً؛ لكن رسم الفنان إياه أو صنع تمثال له يعطينا فكرة مجسمة تضاف إلى ما نعرفه من أوصافه بطريق الكتابة. والرسوم والصور وثائق مهمة لأنها تحفظ لنا أبداً آثارا وأشكالا ومناظر وأزياء مختلفة قد تغيرت معالمها أو زالت من الوجود، ولا تستطيع أن تعبر عنها بوضوح الكتابة الوصفية. ونزداد أهمية التصوير بعد تقدم استعمال الفوتوغرافيا في الوقت الحاضر، فهي تسجل مشاهد عديدة للإنسان ولآثار الحضارة والعمران

ومن الأصول المهمة أيضاً نجد آثار الإنسان ومخلفاته وتقاليده، كما عرفنا ذلك في مقال سابق. وأعمال الحفر والتنقيب تكشف عن مخلفات العصور القديمة؛ والبحث في بعض الأماكن يؤدي إلى العثور على آثار الإنسان في العصور الحديثة. ويجب على الباحث أن يشاهد ويدرس بنفسه آثار العصر الذي يكتب عنه. وينبغي أن يزور المباني القائمة التي كان رجال العصر يعيشون فيها، والحدائق التي كانوا يروحون عن خواطرهم في أرجاءها، وأن يتعرف طرق المعيشة والأزياء وأدوات الحرب وآلات الموسيقى. . . وفي الغالب تحول المباني إلى متاحف وتجمع فيها بعض آثار الإنسان. ولا ريب فإنه من الضروري للمؤرخ أن يعيش فترة خلال هذه الذكريات التي أدت من الماضي إلى الحاضر، وأن تشيع في نفسه هذه الرؤى وتلك الخلجات التي أحاطت برجال العصر الذي يدرسه

<<  <  ج:
ص:  >  >>