الأسطول العثمانية وبين السفن التسكانية في القرن السابع عشر مثلاً، يجد في الفهارس والكاتالوجات المطبوعة والمخطوطة بدار الأرشيف بعض ما يفيد في فحص مجلدات خاصة؛ ولكن هذا لا يكفي، بل عليه أن يدرس عشرات من المجلدات في سنوات معينة وفي نواح مختلفة؛ فيفحص مثلاً المجلدات التي تحوي مراسلات ممثلي فلورنسا في الدولة العثمانية، ومذكرات التجار الفلورنسيين، وتقارير رجال سان ستيفانو الواردة إلى حكومة فلورنسا، والتي تحوي أخباراً عن حوادث ذلك الاصطدام. وكذلك يفحص المجلدات التي تضم صور المراسلات الصادرة من حكومة فلورنسا إلى ممثليها في الشرق الأدنى، وإلى التجار الفلورنسيين، وإلى رؤساء وقواد نظام سان ستيفانو. وللغرض نفسه ينبغي أن يفحص أيضاً عشرات من المجلدات عن المراسلات الواردة من صقلية والبندقية وجنوا مثلاً إلى حكومة فلورنسا، والتي تتضمن أخباراً عن هذه المصادمات؛ ثم المجلدات التي تحوي صور المراسلات الصادرة من فلورنسا إلى كل تلك الجهات؛ وينتج عن ذلك المجهود جمع مادة أصلية مهمة لم تكن معروفة من قبل عن موضوع البحث
ولا ينبغي على الباحث أن يقتصر في جمع الوثائق البحث الذي يدرسه على أرشيف واحد فقط؛ فمن الضروري البحث عن وثائق أخرى - إن وجدت - في أمكنة متعددة، ونتناول نفس الموضوع، فيتجه الباحث إلى أرشيف الحكومة التاريخي في فيينا لأنه يرى أن علاقات السلم والحرب كانت قوية دائماً بين الدولة العثمانية وإمبراطورية النمسا، وأنه لا بد من أن أخبار الاصطدام البحري بين السفن العثمانية والسفن التسكانية قد وصلت إلى ممثلي النمسا في القسطنطينية، وانهم قد أرسلوها بدورهم إلى حكومة فيينا. ويكتب الباحث إلى مدير أرشيف فيينا فيرسل إليه المعلومات التي يعرفها؛ وملخصها إن المادة الموجودة عن ذلك الموضوع قليلة جدا وعديمة الأهمية. إنما ذلك لا يعني أن هذه المعلومات صحيحة، ولا يقتنع الباحث برد مدير الأرشيف. ويسافر بنفسه إلى فيينا، ويجد إن الكتالوجات الموجودة لا تفيد شيئاً؛ ولكن ذلك لا يمنعه من البحث؛ يعمل بعض الزمن وينتهي به الأمر إلى كشف طائفة ممتعة من الوثائق الألمانية والإيطالية عن الموضوع الذي يدرسه، فيحملها إلى مدير الأرشيف ويرجوه أن يدرجها في كاتالوجاته. ونلاحظ إن الباحث ينسخ بنفسه جزءاً من الوثائق التي يعثر عليها ويمكنه اختصاراً للوقت أن يشرك