البحث وعر شاق؛ ولا بد من الصبر والجلد، ويستطيع الباحث أن يتصفح فهارس وكاتلوجات الوثائق التي يظن أنها تحوي شيئاً يعنيه، وبعض هذه الفهارس مطبوع وأغلبها مخطوط. ومن حسن حظ الباحث أن تكون بعض الوثائق اللازمة له قد حصرت ونظمت ووضعت عنها الفهارس. ولكن ستبقى أمامه دائما مناطق مجهولة لا بد من الإقدام على كشفها بنفسه. والباحث عن الوثائق يشبه المنقب عن الآثار الذي يظل سنوات عديدة يبحث في مناطق مختلفة حتى يعثر في النهاية على ما يرضيه ويرضي العالم. ولنأخذ بعض الأمثلة العملية عن جمع الوثائق والأصول التاريخية.
فالباحث في دار المحفوظات المصرية بالقلعة عن تاريخ محمد علي قائد الجند الألباني، بعد رحيل رجال الحملة الفرنسية عن مصر قبيل ولايته حكم مصر، سيجد مادة قد وضعت عنها السجلات الأولية فيستعين بها في فحص بعض دفاتر مرتبات العساكر الألبانيين ابتداء من ١٢١٧هـ، وسيجدها مكتوبة بخط القيرمة؛ فلابد من الاستعانة على قراءتها بمن يعرف ذلك الخط، حتى يتعلم البحث قراءته بنفسه. وسيعثر الباحث في هذه الدفاتر على أسم (محمد علي أغاسر جشمهء عساكر أرنؤود) وسيعلم بعض أشياء عن مرتباته وعن تكاليف عساكره. ثم يفحص أيضاً دفاتر (كشيدهء ديوان مصر)؛ ويجد أنها تحتوي على صور فرمانات سلطانية وأوامر باشوية بعضها يخص محمد علي أغا. ثم يبحث بعض الأوراق التركية التي لم يتم وضع سجلات لها، وهي عبارة عن بعض أوامر باشوية أو تذاكر ديوانية خاصة بمرتبات جند محمد علي
وقد يسافر الباحث في ناحية من تاريخ الشام إلى سوريا لمقابلة بعض العارفين بتاريخ البلاد وبدور الكتب بها كالدكتور أسعد رستم فيجده قد أنتقل إلى المصيف، فيتبعه إلى ظهور الشوير ويتحدث إليه طويلاً ويأخذ منه ما يريد. وقد يحاول الاتصال بالأستاذ إسكندر المعلوف فينتقل إليه في زحلة ويستفيد بخبرته ومعلوماته. ثم يقصد دمشق فيجد الأستاذ كرد علي قد غادرها إلى شمال سوريا، وفي انتظاره يجتمع بالأستاذ عبد القادر المغربي وبالأستاذ حسني الكسم فيتحدث إليهما وتنفتح أمامه سبل لم يكن يعرفها من قبل، وبذلك يمكنه الوصول إلى مجموعة من المخطوطات الأساسية التي لم تدرس من قبل
والبحث في أرشيف الحكومة التاريخي في فلورنسا عن تاريخ المصادمات البحرية بين