من الوثائق الهامة عن الموضوع المعين هو الذي يحدد إمكان الاستمرار في بحثه أو العدول عنه إلى غيره. والباحث الذي يكتب التاريخ وقد فاته الوصول إلى مجموعة من الوثائق الأساسية لا يكون لبحثه قيمة علمية مهما كانت كفاءته وقدرته على العمل. والباحثون الأولون في التاريخ قد لاقوا صعوبات جمة في سبيل الوصول إلى الوثائق التاريخية؛ وإذا كانت الحوادث التي قصدوا أن يكتبوا عنها قريبة العهد من العصر الذي عاشوا فيه، فإنهم كانوا يرجعون إلى أقوال بعض الأشخاص الذين شهدوا الحوادث ويوازنون بينها ويستخلصون منها ما يمكن الوصول إليه من الحقائق التاريخية. على أن هذه الطريقة لا تكون سليمة دائما نظرا لتعرض الروايات الشفوية للتغيير والتعديل، والأفكار والآراء والأقوال الشفوية إذا ما دونت أصبحت مسجلة ووقف تغييرها إلى الحد الذي وصلت إليه. فالوثائق ضرورية جداً للعهد القريب من المؤرخ فضلاً عن العهد البعيد عن الزمن الذي عاش فيه. والوثائق في أغلب الأحيان تنتقل بالتدريج من حوزة الأشخاص إلى الأماكن العامة وتحفظ في دور الأرشيف ودور الكتب وفي المتاحف والكنائس
والكثير من الوثائق المحفوظة في الأماكن العامة قد وضع عنها كاتالوجات وفهارس مختلفة؛ إلا إنها في أحوال كثيرة أيضاً لا تزال غي وافية، وأغلبها يكتفي بوضع أرقام مجلدات الوثائق مع بيان الشهور والسنوات التي تتناولها، بدون أن تصف محتوياتها، وهي بين قديم وحديث ومخطوط ومطبوع. كما أنه توجد وثائق في مصر وفي الخارج لم تنظم ولم توضع عنها الفهارس الأولية بعد، وهذه بالنسبة للباحثين تعتبر في حكم المجهولة، ولا يمكن الاستفادة منها قبل تقسيمها وترتيبها ترتيباً أولياً على الأقل، وهذا كله يبين صعوبة البحث عن الوثائق. إلا أن التقدم مستمر في هذا الباب. ولقد وضعت كتالوجات وصفية لبعض نواح من الوثائق في دور الأرشيف بالغرب؛ واهتمت الحكومات الغربية بإرسال بعثات خاصة إلى الخارج لكي تبحث في دور الأرشيف الأجنبية عن الوثائق التي تهم تاريخ بلادها وعندما فتح أرشيف الفاتيكان للباحثين أنشأت كثير من الدول معاهد خاصة في روما لكي يشتغل أعضاؤها بجمع ونسخ ووضع فهارس عن الوثائق التي تهمها في الفاتيكان، فهكذا فعلت إنجلترا وفرنسا وألمانيا وأسبانيا وبلجيكا والدانمرك. . .
وكيف يمكن للباحث المبتدئ أن يشق طريقه في هذا البحر العجاج؟ لا ريب في أن طريق