يصدر من العقاد. فكيف يستطيع العقاد الشاعر أن يقول انه لا تكون مغامرة أو اقتحام إلا حيث يكون طلب الرزق، وإن الإنسان لا يغامر في سبيل غرام أو في سبيل كشف علمي أو إنتاج فني؟! ولماذا لا نقول إن روح المغامرة إذا تحررت من هموم العيش وأعباء الثروات، فسوف تكتشف لنفسها ميادين وآفاقاً جديدة هي اجدر بعواطف الإنسان؟!)
والعجيب كما أسلفت أنني صرحت بنقيض هذا الكلام في مقالي عن المال الذي يناقشه الأستاذ رمسيس يونان. فقلت:(إن طلب المال كطلب العلم فطرة لا تتوقف على التوريث ولا على ما يعقبه الأباء للأبناء؛ وقد يهمل الإنسان رزقه ورزق أبنائه ليتابع الدرس ويتقصى مسألة من مسائل العلم والمعرفة. . . وإنما تفسر أعمال الإنسان بالبواعث والدوافع قبل أن تفسر بالنتائج والغايات. وإذا قيل لنا أن فلانا يجمع المال لأنه يخاف عاقبة الفقر، قلنا: ولماذا يخاف هذه العاقبة التي لا يخافها غيره! إنه لا يخالف غيره إلا لاختلاف البواعث النفسية دون الاختلاف في الغايات. . .)
هذا كلامي فكيف فهمه كاتب المقال عن الفقر ومسألته الاجتماعية؟!
فهمه على أسلوب الاشتراكيين في فهم كل شيء؛ وأسلوبهم انهم يفهمون ما يروقهم، وأن الذي يروقهم هو المناوأة والإنكار، وعلى هذه السنة ينكرون العصامية كما ينكرون الغنى، ويسمون الفقر مسألة اجتماعية ليريحوا أنفسهم من العطف على الضعفاء، فلا هم يطيقون الممتازين بالفضل أو الثروة، ولاهم يشعرون بالعطف الصحيح على المحرومين من النبوغ والمال. وماذا يفيد العطف كما يقولون؟ أليست هي مسألة اجتماعية لا دخل فيها للشعور والرحمة؟!
وكأننا إذا قلنا أن الفقر داء اجتماعي يعالج كما تعالج الأدواء الاجتماعية خرجنا به من طريق العلاج. . . وكأنهم إذا قالوا إنه مسألة وليس بداء فرجوا أزمة الفقر أو اقتربوا بها من التفريج على أن الحقيقة إن الدنيا لن يزال فيها الفقراء والأغنياء، ولن يزال فيها الأذكياء والأغبياء، ولن يزال فيها الأخيار والأشرار، ولن يزال فيها السمان والعجاف والطوال والقصار والأقوياء والضعفاء. وآفة الاشتراكيين انهم لا يعيشون ويتعرضون مع هذا لعلاج مسألة العيش. . . فحياة كارل ماركس الشخصية تكتب في صفحتين، وكذلك حياة لينين وستالين وإخوانهم اجمعين. ولو عاشوا لفهموا العيش غير هذا الفهم وعالجوه