التاريخ العسكري هي وحدها العوامل التي توجد على قليل من الاختلاف في جميع مسائل الحرب، في حين أن العوامل المادية تختلف في كل موقف تقريباً وفي أثناء كل حرب. ويمكن أن يصاغ معنى تلك الحكمة في أسلوب أقرب إلى التعبير العلمي فيقال: إن قوة بلاد العدو تشبه أن تكون قائمة على عدد العسكر وعلى المصادر المادية على حين أن العساكر والمصادر متوقفة توقفاً جوهرياً على اعتدال القيادة وعل حال الجيش النفسية وعلى المؤن.
٢ - الاقتراب المباشر هو قيادة الجيش إلى ملاقاة الجيش المعادي الأساسي رأساً والهجوم على قلبه طلبا لنتيجة حاسمة، ولم ينتج هذه النتيجة إلا في النادر عند التفاوت العظيم بين الجيشين. إما الاقتراب غير المباشر فهو الاقتراب بحركات الالتفاف عن بعد والهجوم على جوانب الجناحين، أو في الميدان البعيد عن الجيش الأساسي عند تعدد الميادين، وهو الذي جاء بالنتيجة الحاسمة في كل حرب تقريباً.
٣ - والحصر، بحرياً كان أو برياً، يمكن عده من أعمال الاقتراب غير المباشر والإستراتيجي الكبرى؛ وقد كانت الدول الوسطى في آخر سنة ١٩١٧ تعاني شدته القاسية. وهذا الضغط الاقتصادي هو الذي خدع الألمان وحملهم في سنة ١٩١٨ على هجومهم العسكري في الميدان الغربي (اقتراب مباشر بالنسبة إلى سائر الميادين)
إن فرنسا في سنة ١٩١٤ حاربت بخطة حربية اشتهرت باسم الخطة رقم ١٧ تم وضعها بعد تعيين جوفر رئيساً لهيئة أركان الحرب العامة سنة ١٩١٢، وهي الهجوم السريع المفاجئ على قلب الجيش الألماني رأساً بالاقتراب المباشر. ومن الغريب أن هذه الخطة كانت مستلهمة من آراء للقائد الألماني فون كلوزويتز في حين أن الخطة الألمانية التي وضعها الكونت شيلفن سنة ١٩٠٥ كانت قريبة إلى آراء نابليون. فكانت الخطة الفرنسية خير ما ساعد فون شيلفن على تحويل الخطة الألمانية الأصيلة إلى طريقة الاقتراب غير المباشر من غرب بلجيكا. ومحل المهارة الحقيقة الدقيقة التي جعلت هذه الخطة اقتراباً مباشراً هي الفكرة المتبعة فيها في توزيع القوات على أقسام الجيش: ٥٣ فرقة للمفاجأة الأولى والصدمة من بلجيكا، وعشر فرق لتكون محوراً أمام فردان تدور عليه تلك الكتلة، وتسع فرق فقط للجناح الأيسر من الجبهة الألمانية على طول الحدود الفرنسية فيما يلي