تلاحقت الهجمات حتى عرقلت خطة لودندورف، إذ لم يبق في وسعه أن ينقل جنوده الاحتياطية بسرعة تمكنه من سبق ضربات الحلفاء ومنعها، واستمر النقصان في هذه الجنود بنسبة كانت في مصلحة الحلفاء؛ وقد سمحت هذه الخطة للحلفاء مدة - على الأقل - بأن يستمروا في التقدم وأن يضعفوا المقاومة الألمانية بالتدريج على نسبة النقصان العددي والخور النفسي في القوات الألمانية. ونظراً إلى هذا الانحطاط، وإلى تأكيد هيج أنه يستطيع اختراق خط هندنبرج قرر فوش أن يقوم بهجوم عام في آخر سبتمبر. وكان من نتائج هذا الهجوم أن جلا الألمان عن الأراضي التي احتلوها بهجومهم سنة ١٩١٨، وان ارتدت جبهتهم الغربية كلها، وأتيح لهم تقصيرها وتعديلها بتضحية ساقة الجيش في تقهقره.
في ١١نوفمبر سنة ١٩١٨ - وهو يوم الهدنة - كانت القوات الألمانية التي دفعها الهجوم العام آمنة في جبهتها المعدلة، وكان الحلفاء الزاحفون في وقفة لم تكن يومئذ بسبب مقاومة العدو بقدر ما كانت لصعوبة تموين الجيوش منطقة أمحلتا الحرب وخربتها.
لم يكن للهجوم العسكري في طوره الأخير إلا أهمية ثانوية؛ لكن الصدمة المعنوية التي أصابت القيادة الألمانية بفعل المفاجأة الأولى التي قام بها هيج بدباباته يوم ٨ إبريل سنة ١٩١٨ في بدء الهجوم، تلك الصدمة قد أكملتها الحرب في ميدان بعيد وقعت فيه حركة اقتراب غير مباشر، جعلت الصدمة قاتلة: ذلك أن هجوم الحلفاء من (سلانيك) هو الذي أدى إلى هذه النتيجة، فإن العدو لم يستطع أن يمنع تقدم الحلفاء على جناح، إذ لم يتمكن من جلب جنوده الاحتياطية بسرعة كافية بسبب بطأ حركاته في تلك الجبال. وقد طلب البلغار الهدنة إذ انقطع جيشهم قطعتين وهم متعبون من الحرب. وهذا الفوز الذي أحرزه الحلفاء أخرج من ميدان البلقان البعيد أهم نصير فيه للدول الوسطى، وفتح الطريق لتفجر الجنود المتحالفة على النمسا من خلف. ولقد تعين هذا الخطر المهدد عند نجاح هجمة إيطالية على الجبهة النمسوية المنهوكة القوى النفسية والمادية، لان تسليم النمسا في الحال أمر جعل للحلفاء إمكان التصرف في أرضها وسككها الحديدية، واتخاذ قواعد فيها للأعمال حربية ضد ألمانيا من بابها الخلفي. وكان الجنرال جلوز قد صرح للمستشار الألماني - منذ سبتمبر - بأن ما كان من ذلك محتملا وقوعه يومئذ يكون حاسماً إذا هو وقع فعلا. فهذا