وآثار الغرزمة، وكان انتحال الشعر الرديء وحمله عليه وأضافته إليه، وكان انحاله هو للشعر الرديء وحمله على صاحبيه وإضافته إليهما، وكان إنشاد لمثل هذين البيتين:
بموسم عاشوراء قد عمت البشرى ... وضاءت لنا الأكوان مذ علت الذكرى
ونادى المنادي أيها الناس يمموا ... ضريح الحسين الشهم تنجوا من الأخرى
ولست ادري أي الثلاثة قال هذا الشعر الرائع، أو لعله شائع بينهم جميعاً. ولعل ثالثهم محموداً أن يكون قد حفظ هذا الشعر فيما حفظ من آثار هذا العصر، فقد كان إليه تخليد هذه الآثار التي لم تكن تستحق اقل من الخلود.
وفي ذات يوم اقبل الزيات يقترح على صاحبيه التفكير فيما ينبغي لهم في العناية من النثر، ويبين لهما ولنفسه أسباب هذه العناية ومذاهبها، ويرى أن ليس إلى ذلك من سبيل إلا أن يفعل الثلاثة كما يفعل الطلاب في المدارس، حين يعالجون الإنشاء، ويعرض عليهما وعلى نفسه هذين الموضوعين:(الحالة الحاضرة)، و (مصر في الصباح). وكان يقول ذلك جاداً كل الجد، مؤمنا كل الإيمان، وكان صاحباه يسمعان له في موقف بين الجد والهزل، يريدان أن يكتبا ويعلمان انهما لن يستطيعا. فيقدمان ثم يضطران إلى الإحجام، ويستران ضعفهما بالهزل والعبث، ثم يفزعان إلى الشعر فينظمان منه ما شاء الله لهما أن ينظما بين الجيد والسخيف. وكانت الأيام تمضي وتمضي، والأصدقاء يلتقون ويتحدثون في النثر، والزيات يقترح الكتابة في الحالة الحاضرة ومصر في الصباح. وصاحباه يسألانه عن مصر في الصباح كيف
هي؟ وماذا يقول فيها فلا يحير جواباً، فيتمثل ثالثنا بهذا البيت الذي كان يغيض الزيات ويحفظه:
شيخ لنا من ريبعة الفرس ... ينتف عثنونه من الهوس
وقد فتح الله على الزيات بعد خمسة وعشرين عاما فكتب في الحالة الحاضرة. ولم يفتح الله عليه ولا على صاحبيه بعد خمسة وعشرين عاماً ليكتبوا عن مصر في الصباح. ولكنه قد كتب على كل حال، فمازال إذن قائما من صاحبيه مقام الأستاذ، ولن يستطيع صاحباه منذ يوم الاثنين الماضي أن يصدماه بهذا البيت: