للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التاسع عشر

وكانت النية أن أنظر فيه نظرة عابرة لأكتب عنه كلمة تقوم مقام التحية لصديق كريم من أعز أصدقائي في العراق، وهو الأستاذ جعفر خياط وليس من الإسراف أن تذكر صديقاً بالخير لأنه ترجم كتاباً بلغ أربعمائة صفحة بالقطع المتوسط، وإن لم نطل النظر في ذلك الكتاب

وبدأت بقراءة الفصل الأخير لأهميته عندي، وهو الفصل الذي يسجل أعمال مدحت باشا في العراق، فقد كنت سمعت أنه أعظم حاكم عرفته تلك البلاد بعد الحجاج، ثم استهواني أسلوب المؤلف في التاريخ فمضيت صعداً إلى أن وصلت إلى المقدمة، وكان آخر ما قرأت كلمة المترجم، وتم ذلك كله في يومين اثنين، بفضل مهارة المؤلف في إحياء معالم التاريخ

دلني هذا الكتاب على الكثير من الحقائق، ومنه عرفت كيف كانت دول أوربا تغازل العراق في القرن التاسع عشر، وكيف كانت التجارة وسيلة لإيقاع بلاد الرافدين في الإشراك

والمؤلف لم يرد بكتابه غير هداية قومه إلى خصائص الحياة العراقية، وهو قد صرح بأنه يتحدث (عن تاريخ بلاد يتعلق ماضيها الأخير بحياة الألوف من أبناء بلاده ومصايرهم) ولم يفته أن ينص على أن تلك المصاير تثير الجدل بين مواطنيه وهم ينظرون إلى المستقبل بعناية والتفات

وكذلك يرى علماء الإنجليز أن التاريخ أداة من أدوات النفع، وهل يدرس التاريخ لغرض أنفع من هذا الغرض؟

إن الهدف الأول لهذا المؤلف هو إرشاد قومه إلى خفايا العصور التي كونت العراق الحديث، وقد وصل إلى ما أراد، وإن كان اهتمامه بتسجيل ما صنع أسلافه لم يخل من تحيز مستور أو مكشوف، والنزاهة المثالية لا تتاح لجميع الناس

ولا بد من النص على أن هذا الكتاب من نماذج البراعة في سرد حوادث التاريخ، وهو يربط العراق بالأمم التي تأثر بها من قرب أو من بعد في مدى أربعة قرون، حتى لنكاد نشهد سيال المنافع بين تركيا وإيران، ول شئت لقلت إنه يشير من طرف خفي إلى تأثير مصر في بعض وقائع التاريخ، وتلك نقطة لم يلتفت إليها مؤرخو مصر في العصر الحديث

<<  <  ج:
ص:  >  >>