وإذا كان المؤلف قد أراد هداية قومه إلى خصائص الحياة العراقية، فقد أراد المترجم أن يدل قومه على تلك الخصائص بنقل هذا الكتاب إلى العربية، وهم قوم شغلتهم متاعب الكفاح من تأريخ العراق في عصور الظلمات
وفي مقدمة المترجم إشارة إلى جهود الدكتور مصطفى جواد في المراجعة وبعض التعليقات، وهي إشارة ذكرتنا بأديب فاضل قضى وقتاً في طلب العلم بالجامعة المصرية، وترك في أنفس عارفيه صورة محفوفة بالود والإعجاب.
افتحوا الشبابيك وانظروا الليل
الشبابيك جمع شباك، وهي كلمة فصيحة تؤدي معنى لا تؤديه كلمة النوافذ؛ كما تؤدي كلمة الدكاكين معنى لا تؤديه كلمة الحوانيت
والليل صديقي في هذا العهد، ولا أقضيه في غير داري، لان صدري ينقبض من السهر في القاهرة منذ عرفت المصابيح الزرق؛ وكانت لياليها أشد إشراقاً من الصباح
وفي هذه الليالي البيض أو السود، عرفت قيمة الخلوة إلى قلبي؛ كما عرفت قيمة الليل، وكما عرفت أن القلم هو الصديق الباقي على الزمان
إذا عوت صفارة الإنذار كان من واجبك أن تطفئ النور وتفتح الشبابيك؛ كما توصي (وزارة الوقاية المدنية)، وقد اكتفت بذلك فلم تأمرك بالنظر إلى الليل، ولعلها تخاف عليك ففي صدورنا بقية من الخوف الموروث عن أسلافنا القدماء، يوم كانوا يعيشون في الغابات والأدغال، وحين كان الليل مسرح المهالك والحتوف
ولكن، هل تعرف لم أوصيك بنظر الليل حين تطفئ المصباح؟
أوصيك بنظر الليل لتشغل به عن النظر في قلبك، إن كان لك قلب!
وهل في الوجود معاطب أخطر وأعنف من المعاطب المبثوثة في ثنيات القلوب؟
الوقوع في مهاوي سقر أهون عليّ من الوقوع في مهاوي قلبي، ففيه مخاوف ومهالك لا أستطيع اجتيازها بأمان، ولو زودتني المقادير بما زودت به أهل الغفلة والجمود، وما أسعد الغافلين والجامدين من أبناء هذا الزمان!
احترس من قلبك كل الاحتراس، وتغافل في كل وقت عن مطامحه العاتية، فهو لا يقنع بالقليل، ولا يرضيه إلا أن تسيطر على جميع من في الوجود، وأين أنت مما يريد؟