للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تناوئها العداء في شبه جزيرة البيلوبونيز، وإضعافاً لسلطانها ونفوذها هي؛ لذلك دعت إلى عقد مؤتمر يوناني عام، هو مؤتمر الجامعة اليونانية الأول، اشترك فيه عدد من اليونان، وامتنع عن الاشتراك فيه عدد آخر كان يؤيد الفرس، ولزم عدد ثالث جانب الحياد وفي هذا المؤتمر العام الذي عقد بجوار مدينة كورنث نرى ثيموستوكل يلعب دوراً بارزاً مهماً هو دور الصلح والتوفيق بين اليونان، وتحقيق الوحدة بينهم جميعاً ضد العدو المشترك، فسعى سعياً حقيقياً للقضاء على أسباب الخلاف بينهم، وعلى الأخص بين أثينا وأرجينا؛ ثم إنه أظهر في هذا المؤتمر أيضاً بعداً في النظر وترفعاً عن المطامع الشخصية، فقبل أن يكون قواد الأسطول والجيش من رجال إسبرطة، وأن يمثل هو في الأسطول مكاناً ثانوياً مع إن المنطق كان يقضي بأن تكون قيادة الأسطول لأثينا، لأنها أصبحت أقوى الدول اليونانية في البحر، ولكنه تغاضى عن ذلك ورضى أن يعمل تحت إمرة أمير البحر الإسبرطي (إيربياد) بل وأيده كل التأييد، مع أن (ايربياد) هذا كان دونه في شؤون البحر، ثم بذل له من النصح والإرشاد في موقعة سلامين الكبرى ما يحملنا على أن نقارن بين موقفه هذا وبين موقف سيف الإسلام خالد بن الوليد الذي رضى أن يجاهد في سبيل الإسلام تحت قيادة أبي عبيده بن الجراح مع أنه يفوقه في الفنون الحربية، ومع أنه كان يتولى شؤون القيادة قبله على نفس الجيش الذي كان يحارب في صفوفه. وقد رضى كل من ماند وثيموستوكل بهذا الأنهما لا ينظران إلى مصالحهما الشخصية بل ينظران نظرة كلها جلال وجمال. هي النظرة إلى المصلحة العامة ووضعها في المكان الأول من اهتمامهم ورعايتهم. ثيموستوكل من الرجال الذين يفضلون وطنهم على أشخاصهم ويتعالون بمطامع بلادهم على مطامعهم الشخصية، لذلك كانوا أبطالا حقاً. من أجل هذا السبب استطاعوا وأن يكونوا عند حسن ظن مواطنيهم بهم، فكونوا لا نفسهم مجداً لا زال باقياً على الحياة، واسماً لا يزال صداه يرن في آذاننا حتى اليوم

هذا في الخارج؛ أما في الداخل فقد رضى أن يستدعى منافسه ومعارضه أرشيد من المنفى، بل وأن يشركه معه في الحكم، فاتفق الاثنان معاً في ذلك الوقت العصيب الذي تعرضت فيه بلادهم لخطر الغزو الأمين. فبرهن ثيموستوكل بذلك أيضاً على أنه قادر على دفن الأحقاد الشخصية في سبيل رفع كلمة الوطن

<<  <  ج:
ص:  >  >>