وَصَحَتْ حَوْليَ الهُمُومُ وَنَاشَتْ ... ذَاتَ نَفسِي كَأَنْها مَسْعُورَهْ
أَقبَلَ الِليْلُ فَاَرتَطَمَتُ كَأنِّي ... مَوجَةٌ فَوقَ شَطِّهِ المَحْبُوبِ
قَذَفَتْ بِيَّ إلَيهِ أَشْوَاقُ رُوحِي ... وَشُجُوني وَحَسرَتي وَلَهِيِبي
وَارِتِيَاحِي إلى الظّلامِ وَيَأَسِي ... وَحَنِيني إلى السُّكونِ الرَّحيِبِ
وَاغتِرَابي عَن الأَنامِ كأَني ... زَهْرَةٌ بَيْنَ جَلمَدٍ وَجِدِيبِ
وَهُرُوبي مِنْ الْحَقِيقَةِ يَا لَيْ ... لُ فَأَتْرِعْ بِخَمْرِةِ الوَهْمِ كوبي!
آهٍ! إِني أُرِيْدُ أَنسَى غَرَامِي ... وَجِرَاحِي وَذِكْرَيَاتِ حَبِيِبي
أَبْعِدُوا الصُّوْرَةَ الجَمِيلةَ عَني ... أَبْعِدُوها لِتُخْمِدُوا تَعْذِيِبي!
أَبْعِدُوا الصُّورَةَ الجَمِيلةَ عَني! ... أَبْعِدُوها فَإنّها لحَبيِبي!
فَهي في مَسبَحِ الهَواءِ تَهَادَتْ ... رِقَّةً تَبْعَثُ اشْتِيَاقَ القُلُوبِ
وَهْيَ في جَبْهَةِ السَّمَاءِ هِلاَلٌ ... يَتَغَنَّى بِنُورِهِ تَشْبِيِبي
وَهيَ في الظُّلْمَةِ المَدِيدَةِ نُسْكٌ ... شَاعَ في رَحْبِها النَّدِىِّ الرِطِيِبِ
وَهيَ في البَحْرِ! وَالسَّماءِ! وَفي النُّو ... رِ! وفي سُحمةِ الظّلامِ الرهِيبِ!
وَهيَ في الأَرْضِ كلِّها. . حَيَواتٌ ... وَمِثالٌ لكلِّ حُسنٍ نَشيبِ
صَاغَهَا اللهُ مِنْ مَفَاتِنِ هَذا ال ... كَوْنِ فنّاً لِكلِّ فَنٍ ذَهِيبِ
أَبْعِدُوا الصُّورَةَ الَجمِيلةَ عَني ... أَبعِدُوهَا لِتُخْمِدُوا تَعذِيبي!
كيْفَ أَنِّي أُرِيدُ أَنْسَى غَرَامِي ... وَجِرَاحِي وَذِكْرَيَاتِ حَبِيبي؟
وَلقَدْ أُطْبِقَتْ جُفُوني وَلكِنْ ... قَدْ تَرَاءتْ رُسُومُهُ في جُنُوبي
أَيها الليْلُ قَدْ فَزِعتُ إلى عَط ... فِكَ مِنْ ظُلمِ حُرْقَتي وَكُروبي
أَنَا أَهْوَاكَ يَا ظلاَمُ فَأَطفئِ ... لي دَرَارِيكَ وَاستَمِعْ لِنَحيِبي!
وَلتَكُنْ فِي النَّسيِمِ مِنكَ شَكاتي ... ارْوِهَا لِلسَّمَاءِ عَنْ مَكْرُوبِ!
أَيُّهَا الليلُ لَيتَني كنتُ نَجماً ... عَائماً في مِيَاهِكَ الزرْقاءِ
أَقطَعُ الظُّلمَةَ الأتِيَّةَ لهَفَا ... نَ إلى مَخْدَعِ الْحَبيبِ النَّائي
ثمَّ أُضْفِي عَلَيهِ مِني خُيُوطاً ... تَحْتَويهِ في ضَمِّةٍ رَعناءِ
لأُرَوِّي بِقُبلَةٍ مِنهُ نَفْسي ... تُطلِقُ الرُّوحَ من أسًى وَعَنَاءِ