للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول فيه مثل مقالتي باللؤم والبخل. لذلك أقدمت عليها متردداً يدفعني إليها أننا في مطلع حياة جديدة يجب في مثلها تمحيص الأخلاق والعادات وتقويمها والإبقاء على النافع منها وطرح مالا فائدة منه بعد ما تغير الزمان، ولا يكون ذلك إلا بالخروج من ربقة التقليد الذي لا يفيد، ومنه تقليد أجدادنا الأولين في هذا الكرم القبيح الذي ذمه الله وسماه تبذيراً، وجعل أهله إخوان الشياطين، والقصد في الأمر والتوسط فيه، ووضع الأمور في مطارحها ولو أن حاسباً مستقرياً نظر فيما ينفق عندنا في كل سنة على الولائم والأعراس والمآتم من الأموال لهاله الحساب، ولرأى أن هذه الأموال التي تنفق فيما لا طائل تحته، ولا موجب له إلا التقليد الضار، يمكن أن ينشأ بها من المدارس والمصانع ما يرفع أمتنا درجات في سلم الارتقاء في آن قريب، فضلاً عما يكون فيه من راحة البال، واضطراد الأعمال، ودفع المكاره التي ذكرت أمثلة عليها في مطلع هذه المقالة.

وإذا كانت الحاجة هي التي علمت أجدادنا هذا الكرم، فأي حاجة تدفعنا إلى الاستمرار عليه؟ وما هو الضرر الذي ينال الضيف إن قلت له: أنا الآن مشغول فزرني إن شئت في وقت آخر؟ ولم تخاف من ذلك وهو من آداب ديننا، وقد كان من خلائقنا قبل أن يتخلق به الإفرنج؟ وماذا يضر الأهل والأقربين أن يهنئوا بالمولود فلا يشربوا (الكراوية)، وأن يحضروا (العرس) فلا يأكلوا الرز واللحم والبقلاوة، وما هم في صحراء كصحراء العرب يحتاج فيها إلى القرى، ولا هم جياع قد حضروا للطعام، وليس المقصد إلا الاجتماع وقد حصل؟ لقد خبرني صديق صادق مطلع أن نفقات عشر ولائم فقط من أوسط ما يكون في الأعراس أو المآتم تكفي لفتح مدرسة ابتدائية تتسع لمائتي تلميذ، فما قولك بنفقات الولائم كلها وسكاكر الأعياد وهدايا الولادة والعرس؟

أنا لا أرتقب من الأمة أن تقرأ هذه المقالة وتنام ليلتها فتصبح وقد نبذت هذه العادات وحددت آداب الزيارة، وتنكبت سبيل التبذير، فإن هذا مالا يكون، وإنما أرتقب أن أجد من القراء من وهبه الله الجرأة في الحق، والرغبة في الإصلاح فيسن للناس سنة (قي هذا الباب) حسنة يكون أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، كما صنع في دمشق شيخها الشيخ طاهر الجزائري رحمه الله، وعادات الإفرنج في الزيارات والولائم أصلح في الجملة مما نحن عليه اليوم، وتقديرهم للوقت أشد، وهذا كله من آداب الإسلام، والسلف كلهم كانوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>