دارت هذه الرواية كلها حول هذه النقطة، وهي حدود معنى الوطنية كما تستقر في ذهني شخصين يختلفان كل الاختلاف بالاتجاه الفكري وبالمزايا النفسية وبالنزعات الخلقية أما أحدهما (سانديب)، فهو زعيم وطني يثير حماسة الجماهير ببلاغة منطقه وبقوة إيحائه النفسي، وبهذا الأسلوب نفسه، يلهب حقد الشعب على الأجانب، ويدفعه إلى مقاطعة بضائعهم، ويغريه بإيذاء المواطنين المتخلفين عن تنفيذ تعاليمه بكل وسيلة من وسائل الإيذاء، بل يغريه في سبيل ذلك باستباحة كل جريمة وبارتكاب كل منكر؛ وأما ثانيهما (نيكهل)، فهو من راجات الهند، مثقف ثقافة عالية، ومهذب تهذيباً نفسياً سامياً عجيباً، وبسمو تهذيبه هذا استطاع أن يطهر نفسه من الأحقاد والأضغان، وأن يحملها على الهدوء والصفاء والتسامح في وجه الأزمات والرجات النفسية، وفي وجه الأشخاص الذين يحدثون هذه الأزمات والرجات في مجرى حياته، وجاهد في أن يطهر نفسه أيضاً من نوازع الأنانية العمياء التي تضحي بهناء الآخرين وشخصياتهم في سبيل هناء وشخصية صاحبها، ثم يصوره لنا طاغور رجلاً قوي السلطان على نفسه إلى غاية استطاع عندها أن يكون إنساناً سامياً حقاً، ثم يصوره رجلاً وطنياً يحب هناء شعبه ورخاءه وصون كرامته، ولكنه لا يتبجح بوطنيته هذه، بل يعمل لها بهدوء وصمت: ينشئ المعامل لتشغيل العمال وتوفير الحاجات الصناعية الوطنية، ويقتني لبيته الأثاث الوطني ويتغذى الأغذية الوطنية، ويستعمل أدوات الزينة الوطنية، ولكنه - مع كل ذلك - لا يحاول إيذاء الأجنبي بإخراج بضائعه من مقاطعته، أو إحراقها كما يفعل (سانديب)، ولا يحاول أن يقهر أحداً من مواطنيه على استعمال بضاعة معينة، لكي لا يكون في ذلك حرج أو ضرر عليه، وهو - من أجل هذا - يقف من حركة (سانديب) موقف التحفظ والحذر، وقد يحاول أن يجادل (سانديب) في أساليب حركته العنيفة، مصطنعاً في جداله الهدوء والمنطق الرزين، مبتعداً في هذا الجدال أيضاً عن التأثر بالعصبية لرأيه رغم إيمانه به كل الإيمان. أما (سانديب)، فيصوره طاغور على النقيض من صورة (نيكهل) هذه، إذ يرينا نفسه تصطخب بدوافع ونوازع هائلة مخيفة، ويرينا شخصيته لا تعتمد في تزعم الحركة الوطنية إلا على بلاغة المنطق وقوة الاستهواء، بل لقد صوره طاغور رجلاً خداعاً ماكراً يستبيح لنفسه السرقة باسم الوطنية، ولا يجد حرجاً في إغراء زوجة (نيكهل) بالتمرد على حياتها الزوجية