الاضطلاع برسالته العظيمة. وكم من رأسماليين عالميين وعظماء ومخترعين دوليين معروفين لم ينالوا قسطاً وافراً من التعليم. ويقابل هؤلاء متعلمون، ومنهم من درسوا في الجامعات، تراهم يتكلمون أو تقرأ لهم ما يكتبون فتشعر أن على شخصياتهم الباهتة سمات الجهل المطبق والمنطق السقيم. وعلى هذا يصح أن نقول: وكم في المتعلمين من جهلاء!
وقد كان الغرض من التعليم في الماضي هو تأهيل الشبان للأعمال الحكومية الآلية، ولا شئ غير ذلك، عندما كانت تسيطر على دفة الحكومة والتعليم عقليات إنجليزية ركزت بين أناملها تصريف الأمور، وصار تبعاً لذلك الطلبة نسخاً متشابهة مكررة من أصل واحد! ثم انتهى هذا العهد، وظهرت في الوجود نظريات جديدة تربوية نادت بوجوب الاهتمام بشخصية الفرد، وإنماء ملكات الابتكار المودعة في جهازه البشري الدقيق. وقد تطورت تلك النظريات، وصارت توائم بين حاجات الفرد وحاجات الجماعة التي لا غنى عن المحافظة عليها، ولا مفر من تنسيق نشاط أفرادها مع زيادة نفعها لهم؛ وبذلك صار التعليم تربية وثقافة حرة مرنة لا مجرد تلقين معلومات جافة، وحشو الأدمغة بدراسات ميتة لا غناء فيها ولا طائل تحتها. وصارت التجارب العلمية والعملية الكثيرة التي تطبق اليوم في أوربا وأمريكا توحي دائماً بالبرامج النافعة التي تكون أكثر انطباقاً على حاجات الفرد الغريزية والاجتماعية والمادية. وليس في نيتي أن أعتدي على اختصاص الفنيين وأخوض في شروح وفروق تلك النظريات التربوية الحديثة، فأنا أمر عليها بقدر ما يسمح لي بحث اجتماعي كهذا، وإنما أذكر أن هدف التربية الحديثة هو الإكثار من الكفايات الاجتماعية. وهي - أي الكفايات الاجتماعية - وحدها القادرة على الحياة والكفاح وكسب القوت المحترم الشريف في عصر مضطرب بالشهوات الماحقة والصوالح المتعارضة، والنظريات العلمية المتجددة على الدوام. والتربية الحديثة توحي بالتعليم الذي يناسبها ولا يعطل آثارها. وهي إذا سارت في مجراها العلمي المنتج كانت أقوى درع ضد الفقر، وأيسر السبل إلى الثروة والغنى والمجد.
ومصر لم تعمل بعد بهذه النظريات، وإن كانت قد عرفتها وأرسلت البعثات تلو البعثات لدراستها، ولم تأخذ بنصيبها من رسالة التربية الحديثة وإن كانت تنادي بها وتعطف عليها وتشترك في مؤتمراتها. ويخطئ بل يكذب من يقول غير هذا عن وزارة المعارف. فهي