نفسها إلى اليوم حائرة ضالة طريقها مرتبكة لم تعلم بعد رسالتها، ولم تفهم مهمتها على وجه التحديد!! وهو أمر لو كان في بلد آخر غير مصر لكان جريمة لا تغتفر، ولاتهمت وزارة المعارف بإفساد حياة الناس، ولرفعت عليها القضايا من أولياء أمور الطلبة، ولثار عليها الرأي العام. وذلك لأن التعليم في عصرنا هذا فريضة وطنية، والتربية العامة واجب مقدس. ووزارة المعارف هي وحدها الأمينة عليها؛ فإذا هي اضطربت في تأدية رسالتها كان الأمر نكراً، واضطربت معها حياة الناس، وارتبك سير الآلة الاجتماعية. وإذا كنا نعلم أن جهالة فرد قد تطوح بمستقبل أسرة أو عدة أسرات أمكننا أن نتصور مدى الخطورة في جهالة شعب بأسره!!
ولنسرد الآن شيئاً من التفصيل عن هذه الناحية. فقد جاء في الإحصاءات الأخيرة أن نسبة المتعلمين بين الصغار الذين بلغوا سن التعليم هي ١٢ % ولتبيان ضآلة هذه النسبة نذكر أنها في السويد ٩٨ %، وفي تشيكوسلوفاكيا ٦٠ %، وفي اليونان ٣١ %، مع أن المعروف عن هذه الدول أنها من الصف الثاني والثالث من حيث التعليم.
أما نسبة الأمية - ولا نقول الجهالة فأمر هذه أفدح وأنكى - فيمن فاتوا سن التعليم من الذكور فهي ٧٩ %. وإن هذه النسبة المخجلة جداً لتصبح أشد هولاً لو أسقطنا من الحساب عاصمتي القطر (القاهرة والإسكندرية) إذ نجدها في أسوان وأسيوط وجرجا ٩١ %، ثم تتراوح في باقي المديريات بين ذلك وبين ٧٠ %.
فإذا أردنا أن ندلف من التعميم إلى التخصيص وجدنا عار الأمية متفشياً بين أرباب المهن الحرة والفلاحين، مع أن هذه الطبقات في أشد الحاجة إلى التعليم، بل وإلى نوع معين بالذات من التعليم.
ومن الغريب، بل من المضحك المبكي، أن مصر التي تشكو الأمية مر الشكوى بها أزمة بطالة بين المتعلمين. وهما مشكلتان متناقضتان، وقلما تجتمعان في بلد متحضر. وسر هذا التناقض أن المشرفين على التعليم - في الماضي - لم يراعوا حاجة البلاد إلى التعليم، ولم يحسبوا للضرورات الاجتماعية حساباً. ونحن اليوم ندفع ثمن هذه الجريمة الوطنية من كرامتنا وثروتنا القومية، ونعاني تأخراً مخجلاً في حضارتنا العقلية والأدبية والمادية.
ولو أردنا تشخيص مرض الأمية المتفشية في مصر لوجدنا أسبابه كما يأتي مجتمعه وبلا