الأشقياء وأسعد السعداء في الدنيا اثنان متكافئان متعادلان، ولعلهما لا يوجدان!!
ولو خرج أحد من الرحالين ليجوب أقطار الأرض باحثاً عن أشقى شقي للزمه من الوقت والعناء قريب مما يلزمه في بحثه عن اسعد السعداء!
فلا يقل حانق على السعادة إنها مستحيلة في هذه الدنيا، لأن استحالتها من جنس كل استحالة، ولأن يسرها من جنس كل يسر، ولأن الفرق بين المثل الأعلى والمثل السائر فيها كالفرق بينهما في أكلة أو لبسة أو رشفة أو ما شئت من متع الحياة.
وهي ليست - بعد - شيئاً واحداً كتلك الجوهرة المكنونة التي يحكون عنها في الأساطير ويتخيلونها في كل يد تعثر بها على استواء، لا فارق بين يد العبد ويد السيد، ولا بين يد الجاهل ويد الخبير.
وإنما السعادة سعادات: سعادة هذا شقاوة ذاك، وسعادة إنسان في حين من الأحيان غير سعادته في غير ذلك الحين.
أتسألني عن السعادة المطلقة بالقياس إلى كل إنسان وإلى كل حين؟
تلك ليس لها وجود، وكذلك كل شيء مطلق من القيود والملابسات في عامل القصور والفناء.
ولنعلم أن اختلاف الناس في أمر السعادة إنما هو اختلاف شعور قبل أن يكون اختلافا في الرأي والنظر
فهم يشعرون بالسعادة على اختلاف، وإن فكروا فيها على اتفاق؛ وهم يختلفون في شعورهم بين عمر وبين حالة وحالة كاختلافهم في كل ما يحبون وكل ما يكرهون.
وأرجع إلى نفسي فأراني قد شعرت بالسعادة على وجوه قلما تتماثل في بضع سنوات.
في الشباب كنت أقول لها:
لا تطمعي اليوم مني ... بالسعي خلف خيالك
فقد سألتك حتى ... مللت طول سؤالك
وقد جهلتك لما ... سحرتني بجمالك
فلا تمري ببالي ... ولا أمر ببالك
أشقى الأنام أسير ... معلق بحبالك