وقد كان الاعتماد على القوى السحرية هو أساس العمل لتحقيق الأماني؛ والآن صار الاعتماد على القوى الآلية في الطبيعة هو أساس ذلك العمل.
لقد قدمت الطبيعة الطاعة أمام فكر الإنسان؛ فهو يأخذ نواصي كثير من قواها بقوانينها هي، وقد عرف الأبواب الخفية التي يتسلل إليها منها فأمعن في غزوها.
وإن أعمال العلماء الطبيعيين قد اكتسبتْ من جبروت الطبيعة شيئاً من الهول والاجتياح والاتساع؛ فمدافع كروب الثقيلة البعيدة المرمى، والقنابل الشديدة الانفجار، والقلاع الطائرة، والمناطيد، والخزانات العظيمة، والمحطات الكبرى لتوليد الكهرباء، والمصانع الواسعة، والإذاعة المبثوثة باللاسلكي وتعبيد الطرق العظيمة كطريق نيويورك - ميامي مثلاً، أو إكسبريس الشرق وغير أولئك. . . كلها أعمال عظيمة تمتاز بطابع الاتساع والهول والجهد الجبار.
ولا يتوهمن متوهم أن هناك عداوة وغيظاً وحرباً ذات حقد بين الإنسان والطبيعة، وإنما للطبيعة صدر رحيب كصدر أم يمرح عليه أطفالها.
نحن بنو الطبيعة ونتاج عواملها وتأثيراتها الظاهرة والخفية، جسمنا منها وعقلنا وتجاربنا، ولكن روحنا من الله بارئها؛ ولذلك كان لنا قدرة عليها وافتنان في تنقيح موجوداتها ومحاكاتها والزيادة عليها. . . فلنبدأ عصر يقظة بالإحساس بحياتنا الممتازة، والإحساس بقدرتنا الفائقة على الأعمال العظيمة. وليكن ديننا هو حيرتنا ودهشتنا: كيف خلقنا؟ وكيف اقتدرنا؟ وكيف نعلم؟ وكيف نعمل؟
إن الراحة الدائمة هي في أن نلقى بأجسامنا على صدر الطبيعة مفكرين فيها باحثين عاملين. . . وبأرواحنا بين يدي ربها متعرفين إليه صابرين على الدهشة والحيرة والإيمان بالغيب حتى يأتينا اليقين في الآفاق وفي الأنفس. ولا بد وراء ذلك من تأويل ويقين!
قد يطير الطير في أجواز الفضاء وهو في ذهول. . . وقد يسبح الحوت في جوف العباب وهو في ذهول. . . وقد تَدْرُجُ الوحش والأنعام والبهائم على أديم الأرض وهي في ذهول. . . ولكن ابن الإنسان ينبغي له أن يتساءل دائماً: كيف أحيا؟! وكيف أفكر؟! وكيف أدرُج؟! وكيف أسبح؟! وكيف أطير؟! ثم كيف أريد وأقتدر؟!