للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تحقيق الأوطار والأشواق إليه، جل مجده، قليلة العلم بما عنده من أفانين تتجدد ولا تنفد، تعرفه عن طريق العواطف والرموز، لا عن طريق الفكر والوضوح.

إن الإرادة العليا مصرة على إغلاق ما وراء الطبيعة الآن أمام فكر الإنسان، ولعلها تفتحه بعد أن يفرغ من إدراك كل ما في الطبيعة أولاً.

أما الطبيعة ذاتها فقد دل تاريخ العلوم على أن أبوابها تفتح لمن تركوا اتخاذ الكلام غاية وحيدة للحياة، وعكفوا على محاريبها وأطفالها وموجوداتها يقلبون النظر والفكر واليد فيها ثم يتكلمون بعد ذلك. . .

إن الكلام وسيلة لا غاية. هو قوالب لاختزان المعاني التي تنشأ من المزاوجة بين خواطر الفكر وخواص المادة. هو أوعية الحقائق المرفوعة من الأجسام، إلى عالم التعبير والصور والأرقام. فلا يصح أن تمتلئ بتكاذيب الأماني وتخييلات الأحلام، إلا أن تكون تمهيداً من عالم الخيال والمثال لعالم الواقع. وكثيراً ما هدت سوانح الشعر إلى عالم حقائق العلم. . .

فلا يضمن أحد السدود النظرية أمام عمل الإنسان في الطبيعة ما دامت هي تلبيه وتتفتح له وتنتج. ولا يجوز حمله على السكون والركون إلى مواريث الأفكار القديمة التي تجعل الطبيعة أمام الإنسان حرماً مقدساً يجب التهيُّب من الشروع في تغيير شيء فيه أو تنقحيه بالزيادة أو النقصان. . .

فهي وحدها الحكم الذي تُرضى حكومته في العمل فيها أو تركه. . .

فما دامت تفتح له الأبواب وتهتك الأستار فليدخل وليتوغل وهو موقن بأن هذا عمله الذي خلق من أجله. . . وليس إبقاء الطبيعة كما هي بدون تغيير عبادة كما كان الزعم القديم،

ولكن صار تغيير إلى الأصلح هو العبادة. . .

والتربية الناجحة هي التي توحي للنفس ألا تتقهقر وتتضاءل وتنزوي في نفسها أمام قوى الطبيعة، بل تجعل من النفس قوة غازية موجبة غير سالبة، تؤثر في الطبيعة بالتسخير والتحويل والتنقيح. . . والتربية الشرقية على العموم لا تزال تؤول قصور النفس الناشئ عن الجهل والكسل والعجز أمام الطبيعة بتأويلات تحمل فيها الأقدار العليا أكثر مما تحتمل، وتفر من وجه السدود والعوائق تحت تأثير قناعة مصطنعة تحيكها أخيلة طفلية، ولا تأخذ ما في الحياة وإنما يأخذها ما في الحياة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>