فيها إلى ما لا نهاية، بل يقف عند نهايات معينة هي العناصر المحدودة التي تألفت منها مادة السماء والأرض، والنسب الهندسية والحسابية التي قام عليها بناء الأجسام وتشكيلها؛ ثم يبدأ الإحساس بفراغ وعماء لا صور فيه ولا خواطر عنه.
وطبيعي أن نظرة مثل نظرتي هذه لا يكون وراءها إحساس بخشية من الطبيعة ذاتها كما كان الأمر عند سكان الأرض القدماء الجاهليين، لأن حدودها رئيت وأسرارها عرفت وصورها طبعت في النفس، ولكن يكون وراءها إحساس بخشية ورهبة من ذلك الذي خلقها هائلة هكذا وجعلها بهذه النسب الرياضية والهندسية والقوة الدائبة الجبارة. . .
إذاً ما هو المجال الحيوي غير المحدود لهذا الفكر الإنساني الذي يرى عمق الكون المادي ضحلاً بعد ترديد النظر عليه ومعرفة أسرار تركيبه وقوانينه الهندسية والرياضية؟
إنه لا بد عالم لا نهائي لا تدركه الأبصار والمناظير ولا تحلله المخابير، ولا تسبر آفاقه المسابير والمعايير، ولا تدركه علوم الزمان والمكان!
وطبيعي أن هذا المجال الحيوي بهذا الوصف لا يمكن أن يكون للفكر الإنساني قدرة على إدراكه هنا في هذه الدار التي نعيش فيها بالحواس وقيود المواد الثقيلة الكثيفة، والفكر المحدود.
ولهذا يجب أن ينصرف الفكر الإنساني عن محاولة اقتحام هذه السبحات ويتوجه إلى المجال المحدود المؤقت الذي وضعناه فيه لندركه هو أولاً ونفرغ من استيعاب أسراره وظواهره.
وإن من يريد التعمق الآن في إدراك ما وراء الطبيعة ولا يقنع منه باللمحات والخطفات فلن يظفر بمحصول غير الشرود والخيال.
وقد برهن تاريخ الإنسان على ذلك. فالأمم التي لا تزال تطلب في هذا العصر علم اليقين بالنفس والله قبل إدراك قوانين العلم الطبيعي، والتي لا تزال تطلب الله عن طريق الشعر والوجدان وحده كالهندوكيين ولا تطلبه عن طريق البحث في أرضه وهوائه ومائه والتطلع العلمي إلى سمائه، ولا تَقُصُّ آثاره يده في صنع نماذج الطبيعة لتعرف مقدار ما عنده من العلم والإحاطة بالجزئيات والكليات، ولا تلخص أسرار صنعته وتختزلها في قوانين ومعادلات حسابية وجبرية، ولا تحاكي نماذج الطبيعة، إنما هي أمم بدائية ضالة طريق